الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: جامع الرسائل **
الأحاديث في الجمع تقديماً وتأخيراً: وأحاديث الجمع الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مأثورة من حديث ابن عمر وابن عباس وأنس ومعاذ وأبي هريرة وجابر وقد تأول هذه الأحاديث من أنكر الجمع على تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتقديم الثانية إلى أول وقتها وقد جاءت الروايات الصحيحة بأن الجمع كان يكون في وقت الثانية وفي وقت الأولى وجاء الجمع مطلقاً والمفسر يبين المطلق ففي الصحيحين من حديث سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء. وروى مالك عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير جمع بين المغرب والعشاء. رواه مسلم. وروى مسلم من حديث يحيى بن سعيد: حدثنا عبيد الله أخبرنا عن ابن عمر أنه كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء. حديث ابن عمر في جمع التأخير: قال الطحاوي: حديث ابن عمر إنما فيه الجمع بعد مغيب الشفق من فعله وذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين ولم يذكر كيف كان جمعه هذا إنما فيه التأخير من فعل ابن عمر لا فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر المثبتون ما رواه محمد ابن يحيى الذهلي حدثنا حماد بن مسعدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع: أن عبد الله بن عمر أسرع السير فجمع بين المغرب والعشاء فسألت نافعاً فقال: بعد ما غاب الشفق بساعة وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك إذا جد به السير ورواه سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن ابن عمر استصرخ على صفية بنت أبي عبيد وهو بمكة وهي بالمدينة فأقبل فسار حتى غربت وبدت النجوم فقال رجل كان يصحبه: الصلاة الصلاة فسار ابن عمر فقال له سالم: الصلاة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين. فسار حتى إذا غاب الشفق جمع بينهما وسار ما بين مكة والمدينة ثلاثاً. وروى البيهقي هذين بإسناد صحيح مشهور قال: ورواه معمر عن أيوب وموسى بن عقبة عن نافع وقال في الحديث فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوي من الليل ثم نزل فصلى المغرب والعشاء قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك إذا جد به السير أو حزبه أمر قال: ورواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع فذكر أنه سار قريباً من ربع الليل ثم نزل فصلى ورواه من طريق الدارقطني حدثنا ابن صاعد والنيسابوري حدثنا العباس ابن الوليد بن يزيد أخبرني عمر بن محمد بن يزيد حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن ابن عمر أنه أقبل من مكة وجاءه خبر صفية بنت أبي عبيد فأسرع السير فلما غابت الشمس قال له إنسان من أصحابه: الصلاة فسكت ثم سار ساعة فقال له صاحبه: الصلاة فقال الذي قال له: الصلاة إنه ليعلم من هذا علماً لا أعلمه فسار حتى إذا كان بعد ما غاب الشفق بساعة نزل فأقام الصلاة وكان لا ينادي لشيء من الصلاة في السفر فأقام فصلى المغرب والعشاء جميعاً جمع بينهما ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق بساعة وكان يصلي على ظهر راحلته أين توجهت به السبحة في السفر ويخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك. قال البيهقي: اتفقت رواية يحيى بن سعيد الأنصاري وموسى بن عقبة وعبيد الله بن عمر وأيوب السختياني وعمر بن محمد بن زيد على أن جمع عبد الله بن عمر بين الصلاتين بعد غيوبة الشفق وخالفهم من لا يدانيهم في حفظ أحاديث نافع وذكر أن ابن جابر رواه عن نافع ولفظه: حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام الصلاة وقد توارى الشفق فصلى بنا ثم أقبل علينا فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به الأمر صنع هكذا وقال: وبمعناه رواه فضيل بن غزوان وعطاف بن خالد عن نافع ورواية الحفاظ من أصحاب نافع أولى بالصواب فقد رواه سالم بن عبد الله وأسلم مولى عمر وعبد الله بن دينار وإسماعيل بن عبد الرحمن بن ذويب عن ابن عمر نحو روايتهم أما حديث سالم فرواه عاصم ابن محمد عن أخيه عمر بن محمد عن سالم وأما حديث ابن أبي مريم: أن محمد بن جعفر أخبرني زيد بن أسلم عن أبيه قال: كنت مع ابن عمر فبلغه عن صفية شدة وجع فأسرع حتى كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعتمة جمع بينهما وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير أخر المغرب وجمع بينهما رواه البخاري في صحيحه عن ابن أبي مريم وأسند أيضاً من كتاب يعقوب بن سفيان أن أبو صالح وابن بكير قالا: حدثنا الليث قال: قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: حدثني عبد الله بن دينار وكان من صالحي المسلمين صدقاً وديناً قال: غابت الشمس ونحن مع عبد الله بن عمر فسرنا فلما رأيناه قد أمسى قلنا له الصلاة فسكت حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم فنزل فصلى الصلاتين جميعاً ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير صلى صلاتي هذه يقول جمع بينهما بعد ليل. وأما حديث إسماعيل بن عبد الرحمن فأسند من طريق الشافعي وأبي نعيم عن ابن عيينة عن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذئيب قال: صحبت ابن عمر فلما غابت الشمس هبنا أن نقول له قم إلى الصلاة فلما ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء نزل فصلى ثلاث ركعات وركعتين ثم التفت إلينا فقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. حديث أنس في جمع التقديم: وأما حديث أنس ففي الصحيحين عن ابن شهاب عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب. هذا لفظ الفعل عن عقيل عنه ورواه مسلم من حديث ابن وهب حدثني جابر بن إسماعيل عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق. ورواه مسلم من حديث شبابة: حدثنا الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما ورواه من حديث الإسماعيلي: أنا الفرياني أنا إسحق بن راهويه أنا شبابة بن سوار عن ليث عن عقيل عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في السفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل. قلت: هكذا في هذه الرواية وهي مخالفة للمشهور من حديث أنس. وأما حديث معاذ فمن إفراد مسلم رواه من حديث مالك وزهير بن معاوية وقرة بن خالد وهذا لفظ مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبرهم أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قلت: الجمع على ثلاث درجات: إما إذا كان سائراً في وقت الأولى فإنما ينزل في وقت الثانية فهذا هو الجمع الذي ثبت في الصحيحين من حديث أنس وابن عمر وهو نظير جمع مزدلفة. وأما إذا كان وقت الثانية سائراً أو راكباً فجمع في وقت الأولى فهذا نظير الجمع بعرفة وقد روي ذلك في السنن كما سنذكره إن شاء الله. وأما إذا كان نازلاً في وقتهما جميعاً نزولاً مستمراً فهذا ما علمت روي ما يستدل به عليه الأحاديث معاذ هذا فإن ظاهره أنه كان نازلاً في خيمة في السفر وأنه أخر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنزل وأما السائر فلا يقال دخل وخرج بل نزل وركب وتبوك هي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسافر بعدها إلا حجة الوداع وما نقل أنه جمع فيها إلا بعرفة ومزدلفة وأما بمنى فلم ينقل أحد أنه جمع هناك بل نقلوا أنه كان يقصر الصلاة هناك ولا نقلوا أنه كان يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ولا يقدم الثانية إلى أول وقتها وهذا دليل على أنه كان يجمع أحياناً في السفر وأحياناً لا يجمع وهو الأغلب على أسفاره أنه لم يكن يجمع بينهما وهذا يبين أن الجمع ليس من سنة السفر كالقصر بل يفعل للحاجة سواء كان في السفر أو في الحضر فإنه قد جمع أيضاً في الحضر لئلا يحرج أمته فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع سواء كان ذلك لسيره وقت الثانية أو وقت الأولى وشق النزول عليه أو كان مع نزوله لحاجة أخرى مثل أن يحتاج إلى النوم والاستراحة وقت الظهر ووقت العشاء فينزل وقت الظهر وهو تعبان سهران جائع محتاج إلى راحة وأكل ونوم فيؤخر الظهر إلى وقت العصر ثم يحتاج أن يقدم العشاء مع المغرب وينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره فهذا ونحوه يباح له الجمع. وأما النازل أياماً في قرية أو مصر وهو في ذلك كأهل المصر فهذا وإن كان يقصر لأنه مسافر فلا يجمع كما أنه لا يصلي على الراحلة ولا يصلي بالتيمم ولا يأكل الميتة فهذه الأمور أبيحت للحاجة ولا حاجة به إلى ذلك بخلاف القصر فإنه سنة صلاة السفر. والجمع في وقت الأولى كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فمأثور في السنن مثل الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث المفضل بن فضالة عن الليث بن سعد عن هاشم بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر وفي المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم نزل فجمع بينهما. قال الترمذي حديث معاذ حديث حسن غريب. قلت وقد رواه قتيبة عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل لكن أنكروه على قتيبة. قال البيهقي تفرد به قتيبة عن الليث وذكر عن البخاري قال قلت لقتيبة مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل فقال: كتبته مع خالد المدائني قال البخاري: وكان خالد هذا يدخل الأحاديث على الشيوخ. قال البيهقي: وإنما أنكروا من هذا رواية يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفل فأما رواية أبي الزبير عن أبي الطفيل فهي محفوظة صحيحة قلت: وهذا الجمع الذي فسره هشام بن سعد عن أبي الزبير والذي ذكره مالك يدخل في الجمع الذي أطلقه الثوري وغيره فمن روى عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء عام تبوك وهذا الجمع الأول ليس في المشهور من حديث أنس لأن المسافر إذا ارتحل بعد زيغ الشمس ولم ينزل وقت العصر فهذا مما لا يحتاج إلى الجمع بل يصلي العصر في وقتها وقد يتصل سيره إلى الغروب فهذا يحتاج إلى الجمع بمنزلة جمع عرفة لما كان الوقوف متصلاً إلى الغروب صلى العصر مع الظهر إذ كان الجمع بحسب الحاجة. وبهذا تتفق أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يفرق بين متماثلين ولم ينقل أحد عنه أنه جمع بمنى ولا بمكة عام الفتح ولا في حجة الوداع مع أنه أقام بها بضعة عشر يوماً يقصر الصلاة ولم يقل أحد إنه جمع في حجته إلا بعرفة ومزدلفة فعلم أنه لم يكن جمعه لقصره وقد روي الجمع في وقت الأولى في المصر من حديث ابن عباس أيضاً موافقة لحديث معاذ ذكره أبو داود فقال: وروى هشام بن عروة عن حسين بن عبد الله عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث الفضل قلت: هذا الحديث معروف عن حسين وحسين هذا ممن يعتبر بحديثه ويستشهد به ولا يعتمد عليه وحده فقد تكلم فيه علي بن المديني والنسائي ورواه البيهقي من حديث عثمان بن عمر عن ابن جريج عن حسين عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر وإذا لم تزل حتى يرتحل سار حتى إذا دخل وقت العصر نزل فجمع الظهر والعصر وإذا غابت الشمس وهو في منزله جمع بين المغرب والعشاء وإذا لم تغب حتى يرتحل سار حتى أتت العتمة نزل فجمع بين المغرب والعشاء قال البيهقي: ورواه حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني حسين عن كريب وكان حسين سمعه منهما جميعاً واستشهد على ذلك برواية عبد الرزاق عن ابن جريج وهي معروفة وقد رواها الدارقطني وغيره وهي من كتب عبد الرزاق قال عبد الرزاق: عن ابن جريج حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة وعن كريب عن ابن عباس أن ابن عباس قال: ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر قلنا بلى قال: كان إذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب وإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر وإذا حانت له المغرب في منزله جمع بينهما وبين العشاء وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا كانت العشاء نزل فجمع بينهما قال الدارقطني: ورواه عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن هشام ابن عروة عن حسين عن كريب فاحتمل أن يكون ابن جريج سمعه ولا من هشام بن عروة عن حسين كقول عبد المجيد عنه ثم لقي ابن جريج حسيناً فسمعه منه كقول عبد الرزاق وحجاج عن ابن جريج قال البيهقي: وروي عن محمد بن عجلان ويزيد بن الهادي وأبي أويس المدني عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس وهو بما تقدم من شواهده يقوى وذكر ما ذكره البخاري تعليقاً: حديث إبراهيم بن طهمان عن الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بن الظهر والعصر في السفر إذا كان على ظهر مسيره وجمع بين المغرب والعشاء. أخرجه البخاري في صحيحه فقال: وقال إبراهيم بن طهمان فذكره. قلت: قوله على ظهر سيره قد يراد به على ظهر سيره في وقت الأولى وهذا مما لا ريب ويدخل فيه ما إذا كان على ظهر سيره في وقت الثانية كما جاء صريحاً عن ابن عباس قال البيهقي: وقد روى أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس لا نعلمه إلا مرفوعاً بمعنى رواية الحسين وذكر ما رواه إسماعيل بن إسحاق ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس ولا أعلمه إلا مرفوعاً وإلا فهو عن ابن عباس أنه كان إذا نزل منزلاً في السفر فأعجبه المنزل أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر قال إسماعيل: حدثنا عارم حدثنا حماد فذكره قال عارم هكذا حدث به حماد قال: كان إذا سافر فنزل منزلاً فأعجبه المنزل فأقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ورواه حماد بن سلمة عن أيوب من قول ابن عباس قال إسماعيل ثنا الحجاج عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس قال: إذا كنتم سائرين فنبا بكم المنزل فسيروا حتى تصيبوا تجمعون بينهما وإن كنتم نزولاً فعجل بكم أمر فاجمعوا بينهما ثم ارتحلوا. قلت فحديث ابن عباس في الجمع بالمدينة صحيح من مشاهير الصحاح كما سيأتي إن شاء الله. وأما حديث جابر ففي سنن أبي داود وغيره من حديث عبد العزيز بن محمد عن مالك عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف. قال البيهقي: ورواه من حديث الحماني عن عبد العزيز ورواه الأجلح عن أبي الزبير كذلك قال أبو داود: حدثنا محمد بن هشام جار أحمد بن حنبل حدثنا جعفر بن عون عن هشام ابن سعيد قال بينهما عشرة أميال يعني بين مكة وسرف قلت عشرة أميال ثلاثة فراسخ وثلث والبريد أربعة فراسخ وهذه المسافة لا تقطع في السير الحثيث حتى يغيب الشفق فإن الناس يسيرون من عرفة عقب المغرب ولا يصلون إلى جمع إلا وقد غاب الشفق ومن عرفة إلى مكة بريد فجمع دون هذه المسافة وهم لا يصلون إليها إلا بعد غروب الشفق فكيف بسرف وهذا يوافق حديث ابن عمر وأنس وابن عباس أنه إذا كان سائراً أخر المغرب إلى أن يغرب الشفق ثم يصليهما جميعاً. قال البيهقي: والجمع بين الصلاتين بعذر السفر من الأمور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين مع الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عن أصحابه ثم ما أجمع عليه المسلمون من جمع الناس بعرفة ثم بالمزدلفة وذكر ما رواه البخاري من حديث سعيد عن الزهري أخبرني سالم عن عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء. قال سالم وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك إذا أعجله السير في السفر يقيم صلاة المغرب فيصليها ثلاثاً ثم يسلم ثم قلما يلبث حتى يقيم صلاة العشاء ويصليها ركعتين ثم يسلم ولا يسبح بينهما بركعة ولا يسبح بعد العشاء بسجدة حتى يقوم من جوف الليل. وروى مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال لسالم بن عبد الله بن عمر ما أشد ما رأيت أباك عبد الله بن عمر أخر المغرب في السفر قال: غربت له الشمس بذات الجيش فصلاها بالعقيق قال البيهقي رواه عن الثوري عن يحيى بن سعيد وزاد فيه: ثمانية أميال. ورواه ابن جريج عن يحيى بن سعيد وزاد فيه قال: قلت أي ساعة تلك قال: قد ذهب ثلث الليل أو ربعه قال ورواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن نافع قال: فسار أميالاً ثم نزل فصلى قال يحيى: وذكر لي نافع هذا الحديث مرة أخرى فقال: سار قريباً من ربع الليل ثم نزل فصلى. وروى من مصنف سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أنه كان يجمع بين الصلاتين في السفر ويقول هي سنة. ومن حديث علي بن عاصم أخبرني الجريري وسلمان التيمي عن أبي عثمان النهدي قال: كان سعيد بن زيد وأسامة بن زيد إذا عجل بهما السير جمعا بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. وروينا في ذلك عن سعيد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وروي عن عمر وعثمان وذكر ما ذكره مالك في الموطأ عن ابن شهاب أنه قال: سألت سالم بن عبد الله هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر فقال: نعم لا بأس بذلك ألا ترى صلاة الناس بعرفة وذكر في كتاب يعقوب بن سفيان ثنا عبد الملك بن أبي سلمة ثنا الداروردي عن زيد بن أسلم وربيعة بن أبي عبد الرحمن ومحمد بن المنكدر وأبي الزناد في أمثال لهم خرجوا إلى الوليد وكان أرسل إليهم يستفتيهم في شيء فكانوا يجمعون بين الظهر والعصر إذ زالت الشمس. قلت فهذا استدلال من السلف بجمع عرفة على نظيره وأن الحكم ليس مختصاً وهو جمع تقديم للحاجة في السفر. وأما الجمع بالمدينة لأجل المطر أو غيره فقد روى مسلم وغيره من حديث أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوف ولا سفر. وممن رواه عن أبي الزبير مالك في موطأه وقال: أظن ذلك كان في مطر. قال البيهقي: وكذلك رواه زهير بن معاوية وحماد بن سلمة عن أبي الزبير: في غير خوف ولا سفر إلا إنهما لم يذكرا المغرب والعشاء وقالا: بالمدينة ورواه أيضاً ابن عيينة وهشام بن سعد عن أبي الزبير بمعنى رواية مالك وساق البيهقي طرقها وحديث زهير رواه مسلم في صحيحه ثنا أبو الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً قال أبو الزبير فسألت سعيداً لم فعل ذلك قال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحداً من أمته. قال وقد خالفهم قرة في الحديث فقال: في سفرة سافرها إلى تبوك. وقد رواه مسلم من حديث قرة عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته. قال البيهقي: وكان قرة أراد حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ فهذا لفظ حديثه وروى سعيد بن جبير الحديثين جميعاً فسمع قرة أحدهما ومن تقدم ذكره الآخر قال: وهذا أشبه فقد روى قرة حديث أبي الطفيل أيضاً قلت: وكذا رواه مسلم فروي هذا المتن من حديث معاذ ومن حديث ابن عباس فإن قرة ثقة حافظ وقد روى الطحاوي حديث قرة عن أبي الزبير فجعله مثل حديث مالك عن أبي الزبير حديث أبي الطفيل وحديثه هذا عن سعيد فدل ذلك على أن أبا الزبير حدث بهذا وبهذا قال البيهقي: ورواه حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير فخالف أبا الزبير في متنه وذكره من حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر قيل له: فما أراد بذلك قال: أراد وفي رواية وكيع قال سعيد: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كيلا يحرج أمته. ورواه مسلم في صحيحه. قال البيهقي: ولم يخرجه البخاري مع كون حبيب بن أبي ثابت من شرطه ولعله إنما أعرض عنه - والله أعلم - لما فيه من الاختلاف على سعيد بن جبير قال: ورواية الجماعة عن أبي الزبير أولى أن تكون محفوظة فقد رواه عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس بقريب من معنى رواية مالك عن أبي الزبير قلت: تقديم رواية أبي الزبير على رواية حبيب ابن أبي ثابت لا وجه له فإن حبيب بن أبي ثابت من رجال الصحيحين فهو أحق بالتقديم من أبي الزبير وأبو الزبير من إفراد مسلم وأيضاً فأبو الزبير اختلف عنه عن سعيد بن جبير في المتن تارة يجعل ذلك في السفر كما رواه عنه قرة موافقة لحديث أبي الزبير عن أبي الطفيل وتارة يجعل ذلك في المدينة كما رواه الأكثرون عنه عن سعيد فهذا أبو الزبير قد روي عنه ثلاثة أحاديث: حديث أبي الطفيل عن معاذ في جمع السفر وحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله وحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس الذي فيه جمع المدينة ثم قد جعلوا هذا كله صحيحاً لأن أبا الزبير حافظ فلم لا يكون حديث حبيب بن أبي ثابت أيضاً ثابتاً عن سعيد بن جبير وحبيب أوثق من أبي الزبير وسائر أحاديث ابن عباس الصحيحة تدل على ما رواه حبيب فإن الجمع الذي ذكره ابن عباس لم يكن لأجل المطر وأيضاً فقوله بالمدينة يدل على أنه لم يكن في السفر فقوله: جمع بالمدينة في غير خوف ولا مطر أولى بأن يقال من غير خوف ولا سفر ومن قال أظنه في المطر فظن ظنه ليس هو في الحديث بل مع حفظ الرواة فالجمع صحيح قال من غير خوف ولا مطر وقال ولا سفر والجمع الذي ذكره ابن عباس لم يكن بهذا ولا بهذا وبهذا استدل أحمد به على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى وهذا من باب التنبيه بالفعل فإنه إذا جمع ليرفع الحرج الحاصل بدون الخوف والمطر والسفر فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع والجمع لها أولى من الجمع لغيرها. ومما يبين أن ابن عباس لم يرد الجمع للمطر - وإن كان الجمع للمطر أولى بالجواز - بما رواه مسلم من حديث حماد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن عبد الله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم فجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة قال فجاء رجل من بني تيم لا يفتر: الصلاة - الصلاة - فقال: أتعلمني بالسنة لا أم لك ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته. ورواه مسلم أيضاً من حديث عمران بن حدير عن ابن شقيق قال: قال رجل لابن عباس: الصلاة فسكت ثم قال: الصلاة فسكت ثم قال: لا أم لك أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا ابن عباس لم يكن في سفر ولا في مطر وقد استدل بما رواه على ما فعله فعلم أن الجمع الذي رواه لم يكن في مطر ولكن كان ابن عباس في أمر مبهم من أمور المسلمين يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته ورأى أنه إن قطعه فأتت مصلحته فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بالمدينة لغير خوف ولا مطر بل للحاجة تعرض له كما قال: أراد أن لا يحرج أمته ومعلوم أن جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومزدلفة لم يكن لخوف ولا مطر ولا لسفر أيضاً فإنه لو جمعه للسفر لجمع في الطريق ولجمع بمكة كما كان يقصر بها ولجمع لما خرج من مكة إلى منى وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ولم يجمع بمنى قبل التعريف ولا جمع بها بعد التعريف أيام منى بل يصلي كل صلاة ركعتين غير المغرب ويصليها في وقتها ولا جمعه أيضاً كان للنسك فإنه لو كان كذلك لجمع من حين أحرم فإنه من حينئذ صار محرماً فعلم أن جمعه المتواتر بعرفة ومزدلفة لم يكن لمطر ولا خوف ولا لخصوص النسك ولا لمجرد السفر فهكذا جمعه بالمدينة الذي رواه ابن عباس وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن أمته فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا. قال البيهقي: ليس في رواية ابن شقيق عن ابن عباس من هذين الوجهين الثابتين عنه نفي المطر ولا نفي السفر فهو محمول على أحدهما أو على ما أوله عمرو بن دينار وليس في روايتهما ما يمنع ذلك التأويل فيقال يا سبحان الله! ابن عباس كان يخطب بهم بالبصرة فلم يكن مسافراً ولم يكن هناك مطر وهو ذكر جمعاً يحتج به على مثل ما فعله فلو كان ذلك لسفر أو مطر كان ابن عباس أجل قدراً من أن يحتج على جمعه بجمع المطر أو السفر وأيضاً فقد ثبت في الصحيحين عنه أن هذا الجمع كان بالمدينة فكيف يقال لم ينف السفر وحبيب ابن أبي ثابت من أوثق الناس وقد روى عن سعيد أنه قال: من غير خوف ولا مطر وأما قوله أن البخاري لم يخرجه فيقال هذا من أضعف الحجج فهو لم يخرج أحاديث أبي الزبير وليس كل من كان من شرطه يخرجه. وأما قوله: ورواية عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قريب من رواية أبي الزبير فإنه ذكر ما أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً: الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفي رواية البخاري عن حماد بن زيد فقال لأيوب: لعله في ليلة مطيرة فقال: عسى فيقال هذا الظن من أيوب وعمرو فالظن ليس من مالك وسبب ذلك أن اللفظ الذي سمعوه لا ينفي المطر فجوزوا أن يكون هو المراد ولو سمعوا رواية حبيب بن أبي ثابت الثقة الثبت لم يظنوا هذا الظن ثم رواية ابن عباس هذه حكاية فعل مطلق لم يذكر فيها نفي خوف ولا مطر فهذا يدلك على أن ابن عباس كان قصده بيان جواز الجمع بالمدينة في الجملة ليس مقصوده تعيين سبب واحد فمن قال إنما أراد جمع المطر وحده فقد غلط عليه ثم عمرو بن دينار تارة يجوز أن يكون للمطر موافقة لأيوب وتارة يقول هو وأبو الشعثاء أنه كان جمعاً في الوقتين كما في الصحيحين عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار: سمعت جابر ابن زيد يقول سمعت ابن عباس يقول صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً قال: قلت يا أبا الشعثاء أراه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال: وأنا أظن ذلك فيقال ليس الأمر كذلك. لأن ابن عباس كان أفقه وأعلم من أن يحتاج إذا كان قد صلى كل صلاة في وقتها الذي تعرف العامة والخاصة جوازه أن يذكر هذا الفعل المطلق دليلاً على ذلك وأن يقول: أراد بذلك أن لا يخرج أمته. وقد علم أن الصلاة في الوقتين قد شرعت بأحدايث المواقيت وابن عباس هو ممن روى أحاديث المواقيت وإمامة جبريل له عند البيت وقد صلى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله وصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما جمع على هذا الوجه فأي غرابة في هذا المعنى ومعلوم أنه كان قد صلى في اليوم الثاني كلا الصلاتين في آخر الوقت وقال: " الوقت ما بين هذين " فصلاته للأولى وحدها في آخر الوقت أولى بالجواز وكيف يليق بابن عباس أن يقول فعل ذلك كيلا يحرج أمته والوقت المشهور هو أوسع وأرفع للحرج من هذا الجمع الذي ذكروه وكيف يحتج على من أنكر عليه التأخير لو كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى في الوقت المختص بهذا الفعل وكان له في تأخيره المغرب حين صلاها قبل مغيب الشفق وحدها وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ما يغنيه عن هذا وإنما قصد ابن عباس بيان جواز تأخير المغرب إلى وقت العشاء ليبين أن الأمر في حال الجمع أوسع منه في غيره. وبذلك يرتفع الحرج عن الأمة ثم ابن عباس قد ثبت عنه في الصحيح أنه ذكر الجمع في السفر. وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في السفر إذا كان على ظهر سيره. وقد تقدم ذلك مفصلاً فعلم أن لفظ الجمع في عرفة وعادته إنما هو الجمع في وقت إحداهما. وأما الجمع في الوقتين فلم يعرف أنه تكلم به فكيف يعدل عن عادته التي يتكلم بها ما ليس كذلك وأيضاً فابن شقيق يقول: حاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته. أتراه حاك في صدره أن الظهر لا يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت وأن العصر لا يجوز تقديمها إلى أول الوقت وهل هذا مما يخفى على أقل الناس علماً حتى يحيك في صدره منه وهل هذا مما يحتاج أن ينقله إلى أبي هريرة أو غيره حتى يسأله عنه إن هذا مما تواتر عند المسلمين وعلموا جوازه وإنما وقعت شبهة لبعضهم في المغرب خاصة وهؤلاء يجوزون تأخيرها إلى آخر وقتها فالحديث حجة عليهم كيفما كان وجواز تأخيرها ليس معلقاً بالجمع بل يجوز تأخيرها مطلقاً إلى آخر الوقت حين يؤخر العشاء أيضاً وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين بين أحاديث المواقيت وهكذا في الحديث الصحيح " وقت المغرب ما لم يغب نور الشفق ووقت العشاء إلى نصف الليل " كما قال: " وقت الظهر ما لم يصر ظل كل شيء مثله ووقت العصر ما لم تصفر الشمس " فهذا الوقت المختص الذي بينه بقوله وفعله وقال: " الوقت ما بين هذين " ليس له اختصاص بالجمع ولا تعلق به. ولو قال قائل: قوله جمع بينهما بالمدينة من غير خوف ولا سفر المراد به الجمع في الوقتين كما يقول ذلك من يقوله من الكوفيين لم يكن بينه وبينهم فرق. فلماذا يكون الإنسان من المطففين لا يحتج لغيره كما يحتج لنفسه ولا يقبل لنفسه ما يقبله لغيره وأيضاً فقد ثبت هذا من غير حديث ابن عباس ورواه الطحاوي حدثنا ابن خزيمة وإبراهيم بن أبي داود وعمران بن موسى قال أنا الربيع بن يحيى الأشناني حدثنا سفيان الثوري عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخصة من غير خوف ولا علة لكن ينظر حال هذا الإشناني. وجمع المطر عن الصحابة فما ذكره مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء ليلة المطر جمع معهم في ليلة المطر قال البيهقي: ورواه العمري عن نافع فقال: قبل الشفق وروى الشافعي في القديم أنبأنا بعض أصحابنا عن أسامة بن زيد عن معاذ بن عبد الله بن حبيب أن ابن عباس جمع بينهما في المطر قبل الشفق وذكرنا ما رواه أبو شيخ الأصبهاني بالإسناد الثابت عن هشام بن عروة وسعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة إذا جمعوا بين الصلاتين ولا ينكر ذلك وبإسناده عن موسى بن عقبة أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة إذا كان المطر وأن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبا بكر ابن عبد الرحمن ومشيخة ذلك الزمان كانوا يصلون معهم ولا ينكرون ذلك فهذه الآثار تدل على أن الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين مع أنه لم ينقل أن أحداً من الصحابة والتابعين أنكر ذلك فعلم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك لكن لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع إلا للمطر بل إذا جمع لسبب هو دون المطر مع جمعه أيضاً للمطر كان قد جمع من غير خوف ولا مطر كما أنه إذا جمع في السفر وجمع في المدينة كان قد جمع في المدينة من غير خوف ولا سفر فقول ابن عباس جمع من غير كذا ولا كذا ليس نفياً منه للجمع بتلك الأسباب بل إثبات منه لأنه جمع بدونها وإن كان قد جمع بها أيضاً. ولو لم ينقل أنه جمع بها فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى فيدل ذلك على الجمع للخوف والمطر وقد جمع بعرفة ومزدلفة من غير خوف ولا مطر. فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى ويجمع من لا يمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلا بحرج كالمستحاضة وأمثال ذلك من الصور من الصور. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر وروى الثوري في جامعه عن سعيد عن قتادة عن أبي العالية عن عمر ورواه يحيى بن سعد عن يحيى بن صبح حدثني حميد بن هلال عن أبي قتادة يعني العدوي أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل له ثلاث من الكبائر: الجمع بين الصلاتين إلا من عذر والفرار من الزحف والنهب. قال البيهقي: أبو قتادة أدرك عمر فإن كان شهده كتب فهو موصول وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قوياً. وهذا اللفظ يدل على إباحة الجمع للعذر ولم يخص عمر عذراً من عذر. قال البيهقي: وقد روي فيه حديث موصول عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسناده من لا يحتج به وهو من رواية سلمان التيمي عن حنش الصنعائي عن عكرمة عن ابن عباس.
في تمام الكلام في القصر وسبب إتمام عثمان الصلاة بمنى وقد تقدم فيها بعض أقوال الناس والقولان الأولان مرويان عن الزهري وقد ذكرهما أحمد روى عبد الرزاق: أنا معمر عن الزهري قال إنما صلى عثمان بمنى أربعاً لأنه قد عزم على المقام بعد الحج ورجح الطحاوي هذا الوجه مع أنه ذكر الوجهين الآخرين فذكر ما رواه حماد بن سلمة عن أيوب عن الزهري قال: إنما صلى عثمان بمنى أربعاً لأن الأعراب كانوا كثروا في ذلك العام فأحب أن يخبرهم أن الصلاة أربع قال الطحاوي فهذا يخبر أنه فعل ما فعل ليعلم الأعراب به أن الصلاة أربع. فقد يحتمل أن يكون لما أراد أن يريهم ذلك نوى الإقامة فصار مقيماً فرضه أربع فصلى بهم أربعاً فالسبب الذي حكاه معمر الزهري ويحتمل أن يكون فعل ذلك وهو مسافر لتلك العلة قال: والتأويل الأول أشبه عندنا لأن الأعراب كانوا بالصلاة وأحكامها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجهل منهم بها وبحكمها في زمن عثمان وهم بأمر الجاهلية حينئذ أحدث عهداً إذ كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العلم بفرض الصلوات أحوج منهم إلى ذلك في زمن عثمان فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتم الصلاة لتلك العلة ولكنه قصرها ليصلوا معه صلاة السفر على حكمها ويعلمهم صلاة الإقامة على حكمها كان عثمان أحرى أن لا يتم بهم الصلاة لتلك العلة قال الطحاوي وقد قال آخرون: إنما إتمام الصلاة لأنه كان يذهب إلى أنه لا يقصرها إلا من حل وارتحل واحتجوا بما رواه عن حماد ابن سلمة عن قتادة قال: قال عثمان بن عفان: إنما يقصر الصلاة من حمل الزاد والمزاد وحل وارتحل. وروى بإسناده المعروف عن سعيد بن أبي عروبة وقد رواه غيره بإسناد صحيح عن عثمان بن سعد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عباس بن عبد الله بن أبي ربيعة أن عثمان بن عفان كتب إلى عماله: ألا لا يصلين الركعتين جاب ولا تأن ولا تاجر إنما يصلي الركعتين من كان معه الزاد والمزاد. وروي أيضاً من طريق حماد بن سلمة أن أيوب السختياني أخبرهم عن أبي قلابة الجرفي عن عمه أبي المهلب قال: كتب عثمان أنه قال بلغني أن قوماً يخرجون إما لتجارة وإما لجباية وإما لجريم ثم يقصرون الصلاة وإنما يقصر الصلاة من كان شاخصاً أو بحضرة عدو. قال ابن حزم: وهذان الإسنادان في غاية الصحة. قال الطحاوي قالوا وكان مذهب عثمان أن لا يقصر الصلاة إلا من يحتاج إلى حمل الزاد والمزاد ومن كان شاخصاً فأما من كان في مصر يستغني به عن حمل الزاد والمزاد فإنه يتم الصلاة قالوا: ولهذا أتم عثمان بمنى لأن أهلها في ذلك الوقت كثروا حتى صارت مصراً يستغني من حل به عن حمل الزاد والمزاد. قال الطحاوي: وهذا المذهب عندنا فاسد لأن منى لم تصر في زمن عثمان أعمر من مكة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بها ركعتين ثم صلى بها أبو بكر بعده كذلك ثم صلى بها عمر بعد أبي بكر كذلك فإذا كانت مع عدم احتياج من حل بها إلى حمل الزاد والمزاد تقصر فيها الصلاة فما دونها من المواطن أحرى أن يكون كذلك قال: فقد انتفت هذه المذاهب كلها لفسادها عن عثمان أن يكون من أجل شيء منها قصر الصلاة غير المذهب الأول الذي حكاه معمر عن الزهري فإنه يحتمل أن يكون من أجلها أتمها وفي الحديث أن إتمامه كان لنيته الإقامة على ما روينا فيه وعلى ما كشفنا من معناه. قلت: الطحاوي مقصوده أن يجعل ما فعله عثمان موافقاً لأصله وهذا غير ممكن فإن عثمان من المهاجرين والمهاجرون كان يحرم عليهم المقام بمكة ولم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم لهم إذا قدموا مكة للعمرة أن يقيموا بها أكثر من ثلاث بعد قضاء العمرة كما قال في الصحيحين عن العلاء بن الحضرمي أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمهاجر أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثاً ولهذا لما توفي ابن عمر بها أمر أن يدفن بالحل ولا يدفن بها. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد سعد بن أبي وقاص وقد كان مرض في حجة الوداع خاف سعد أن يموت بمكة فقال: يا رسول الله أخلف عن هجرتي فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا يموت بها. وقال: " إنك لن تموت حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون " لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة. ومن المعروف عن عثمان أنه كان إذا اعتمر ينيخ راحلته فيعتمر ثم يركب عليها راجعاً فكيف يقال إنه نوى المقام بمكة ثم هذا من الكذب الظاهر فإن عثمان ما أقام بمكة قط بل كان إذا حج يرجع إلى المدينة. وقد حمل الشافعي وأصحابه وطائفة من متأخري أصحاب أحمد كالقاضي وأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهم فعل عثمان على قولهم فقالوا: لما كان المسافر مخيراً بين الإتمام والقصر كان كل منهما جائزاً وفعل عثمان هذا لأن القصر جائز والإتمام جائز وكذلك حملوا فعل عائشة واستدلوا بما رووه من جهتها وذكر البيهقي قول من قال أتمها لأجل الأعراب ورواه من سنن أبي داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن أيوب عن الزهري أن عثمان بن عفان أتم الصلاة بمنى من أجل الأعراب لأنهم كثروا عامين فصلى بالناس أربعاً ليعلمهم أن الصلاة أربع. وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا يعقوب عن حميد ثنا سليمان بن سالم مولى عبد الرحمن بن حميد عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن عثمان بن عفان أنه أتم الصلاة بمنى ثم خطب الناس فقال: أيها الناس إن السنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة صاحبيه ولكنه حدث العام من الناس فخفت أن تعيبوا قال البيهقي وقد قيل غير هذا والأشبه أن يكون رآه رخصة فرأى الإتمام جائزاً كما رأته عائشة قلت: وهذا بعيد فإن عدول عثمان عما داوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفتاه بعده مع أنه أهون عليه وعلى المسلمين ومع ما علم من حلم عثمان واختياره له ولرعيته أسهل الأمور وبعده عن التشديد والتغليظ لا يناسب أن يفعل الأمر الأثقل الأشد مع ترك ما داوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفتاه بعده ومع رغبة عثمان في الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وخليفته بعده لمجرد كون هذا المفضول جائزاً إن لم ير أن في فعل ذلك مصلحة راجحة بعثته على أن يفعله وهب أن له أن يصلي أربعاً فكيف يلزم بذلك من يصلي خلفه فإنهم إذا ائتموا به صلوا بصلاته فيلزم المسلمين بالفعل الأثقل مع خلاف السنة لمجرد كون ذلك جائزاً وكذلك عائشة وقد وافق عثمان على ذلك غيره من السلف أمراؤهم وغير أمرائهم وكانوا يتمون وأئمة الصحابة لا يختارون ذلك كما روى مالك عن الزهري أن رجلاً أخبره عن عبد الرحمن بن المسور مخرمة وعبد الرحمن بن عبد يغوث كانا جميعاً في سفر وكان سعد بن أبي وقاص يقصر الصلاة ويفطر وكانا يتمان الصلاة ويصومان فقيل لسعد نراك تقصر من الصلاة وتفطر ويتمان فقال سعد: نحن أعلم وروى شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الرحمن بن المسور قال كنا مع سعد بن أبي وقاص في قرية من قرى الشام فكان يصلي ركعتين فنصلي نحن أربعاً فنسأله عن ذلك فيقول سعد: نحن أعلم. وروى مالك عن ابن شهاب عن صوان بن عبد الله بن صفوان قال: جاء عبد الله بن عمر يعود عبد الله بن صفوان فصلى بنا ركعتين ثم انصرف فأتممنا لأنفسنا قلت: عبد الله بن صفوان كان مقيماً بمكة فلهذا أتموا خلف ابن عمر. وروى مالك عن نافع أن ابن عمر كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعاً وإذا صلى لنفسه ركعتين قال البيهقي والأشبه أن يكون عثمان رأى القصر رخصة فرأى الإتمام جائزاً كما رأته عائشة قال: وقد روي ذلك عن غير واحد من الصحابة مع اختيارهم القصر ثم روى الحديث المعروف من رواية عبد الرزاق عن إسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي ليلى قال أقبل سلمان في إثني عشر راكباً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة فقالوا تقدم يا أبا عبد الله فقال: إنا لا نؤمكم ولا ننكح نساءكم إن الله هدانا بكم قال فتقدم رجل من القوم فصلى بهم أربعاً قال: فقال سلمان ما لنا ولا لمربعة إنما كان يكفينا نصف المربعة ونحن إلى الرخصة أحوج قال: فبين سلمان بمشهد هؤلاء الصحابة أن القصر رخصة. قلت: هذه القضية وسلمان قد أنكر التربيع وذلك أنه كان خلاف السنة المعروفة عندهم فإنه لم تكن الأئمة يربعون في السفر وقوله ونحن إلى الرخصة أحوج يبين أنها رخصة وهي رخصة مأمور بها كما أن أكل الميتة في المخمصة رخصة وهي مأمور بها وفطر المريض رخصة وهو مأمور به والصلاة بالتيمم رخصة مأمور بها والطواف بالصفا والمروة قد قال الله فيه: " ولا يختلف قول أحمد أن الأفضل هو القصر بل نقل عنه إذا صلى أربعاً أنه توقف في الأجزاء ومذهب مالك كراهية التربيع وأنه يعيد في الوقت ولهذا يذكر في مذهبه هل تصح الصلاة أربعاً على قولين. ومذهب الشافعي جواز الأمرين وأيهما أفضل فيه قولان: أصحهما أن القصر أفضل كإحدى الروايتين عن أحمد وهو اختيار كثير من أصحابه وتوقف أحمد عن القول بالأجزاء يقتضي أنه يخرج على قوله في مذهبه وذلك أن غايته أنه زاد زيادة مكروهة وهذا لا يبطل الصلاة فإنه أتى بالواجب وزيادة والزيادة إذا كانت سهواً لا تبطل الصلاة باتفاق المسلمين وكذلك الزيادة خطأ إذا اعتقد جوازها وهذه الزيادة لا يفعلها من يعتقد تحريمها وإنما يفعلها من يعتقدها جائزة ولا نص بتحريمها بل الأدلة دالة على كون ذلك مخالفاً للسنة لا أنه محرم كالصلاة بدون رفع اليدين
|