الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
.تفسير الآية رقم (15): {قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15)}منتهى الاستفهام عند قوله: {مِنْ ذلِكُمْ}، {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} خبر مقدم، و{جَنَّاتٌ} رفع بالابتداء.وقيل: منتهاه {عِنْدَ رَبِّهِمْ}، و{جَنَّاتٌ} على هذا رفع بابتداء مضمر تقديره ذلك جنات. ويجوز على هذا التأويل: {جَنَّاتٌ} بالخفض بدلا من {بِخَيْرٍ} ولا يجوز ذلك على الأول. قال ابن عطية: وهذه الآية والتي قبلها نظير قوله عليه السلام: «تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» خرجه مسلم وغيره. فقوله: «فاظفر بذات الدين» مثال لهذه الآية. وما قبل مثال للأولى. فذكر تعالى هذه تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها. وقد تقدم في البقرة معاني ألفاظ هذه الآية.والرضوان مصدر من الرضا، وهو أنه إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى لهم: «تريدون شيئا أزيدكم؟» فيقولون: يا ربنا وأى شيء أفضل من هذا؟ فيقول: «رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا» خرجه مسلم. وفى قوله تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} وعد ووعيد..تفسير الآيات (16- 17): {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17)}{الَّذِينَ} بدل من قوله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} وإن شئت كان رفعا أي هم الذين، أو نصبا على المدح. {رَبَّنا} أي يا ربنا. {إِنَّنا آمَنَّا} أي صدقنا. {فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا} دعاء بالمغفرة. {وَقِنا عَذابَ النَّارِ} تقدم في البقرة. {الصَّابِرِينَ} يعني عن المعاصي والشهوات، وقيل: على الطاعات. {وَالصَّادِقِينَ} أي في الافعال والأقوال {وَالْقانِتِينَ} الطائعين. {وَالْمُنْفِقِينَ} يعني في سبيل الله. وقد تقدم في البقرة هذه المعاني على الكمال. ففسر تعالى في هذه الآية أحوال المتقين الموعودين بالجنات. واختلف في معنى قوله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ} فقال أنس بن مالك: هم السائلون المغفرة. قتادة: المصلون.قلت: ولا تناقض، فإنهم يصلون ويستغفرون. وخص السحر بالذكر لأنه مظان القبول ووقت إجابة الدعاء. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تفسير قوله تعالى مخبرا عن يعقوب عليه السلام لبنيه: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي}: «إنه أخر ذلك إلى السحر» خرجه الترمذي وسيأتي. وسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل: «أي الليل أسمع؟» فقال: «لا أدري غير أن العرش يهتز عند السحر». يقال سحر وسحر، بفتح الحاء وسكونها، وقال الزجاج: السحر من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر الثاني، وقال ابن زيد: السحر هو سدس الليل الأخر.قلت: أصح من هذا ما روى الأئمة عن أبى هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضى ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فاغفر له فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر» في رواية: «حتى ينفجر الصبح» لفظ مسلم. وقد اختلف في تأويله، وأولى ما قيل فيه ما جاء في كتاب النسائي مفسرا عن أبى هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن الله عز وجل يمهل حتى يمضى شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا فيقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطى». صححه أبو محمد عبد الحق، وهو يرفع الاشكال ويوضح كل احتمال، وأن الأول من باب حذف المضاف، أي ينزل ملك ربنا فيقول. وقد روى: «ينزل» بضم الياء، وهو يبين ما ذكرنا، وبالله توفيقنا. وقد أتينا على ذكره في الكتاب الأسنى؟ في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى. مسألة- الاستغفار مندوب إليه، وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين في هذه الآية وغيرها فقال: {وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.وقال أنس بن مالك: أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفاره.وقال سفيان الثوري: بلغني أنه إذا كان أول الليل نادى مناد ليقم القانتون فيقومون كذلك يصلون إلى السحر، فإذا كان عند السحر نادى مناد: أين المستغفرون فيستغفر أولئك، ويقوم آخرون فيصلون فيلحقون بهم. فإذا طلع الفجر نادى مناد: ألا ليقم الغافلون فيقومون من فرشهم كالموتى نشروا من قبورهم. وروي عن أنس سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «إن الله يقول إني لاهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في وإلى المتهجدين والمستغفرين بالأسحار صرفت عنهم العذاب بهم». قال مكحول: إذا كان في أمة خمسة عشر رجلا يستغفرون الله كل يوم خمسا وعشرين مرة لم يؤاخذ الله تلك الامة بعذاب العامة. ذكره أبو نعيم في كتاب الحلية له.وقال نافع: كان ابن عمر يحيى الليل ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فأقول لا. فيعاود الصلاة ثم يسأل، فإذا قلت نعم فهو يستغفر.وروى إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال: سمعت رجلا في السحر في ناحية المسجد يقول: يا رب، أمرتني فأطعتك، وهذا سحر فأغفر لي. فنظرت فإذا هو ابن مسعود.قلت: فهذا كله يدل على أنه استغفار باللسان مع حضور القلب. لا ما قال ابن زيد أن المراد بالمستغفرين الذين يصلون صلاة الصبح في جماعة. والله أعلم.وقال لقمان لابنه: يا بنى لا يكن الديك أكيس منك، ينادى بالأسحار وأنت نائم. والمختار من لفظ الاستغفار ما رواه البخاري عن شداد بن أوس، وليس له في الجامع غيره، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت- قال- ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات من ليله قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة».وروى أبو محمد عبد الغنى بن سعيد من حديث ابن لهيعة عن أبى صخر عن أبى معاوية عن سعيد بن جبير عن أبى الصهباء البكري عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم قال: «ألا أعلمك كلمات تقولهن لو كانت ذنوبك كمدب النمل- أو كمدب الذر- لغفرها الله لك على أنه مغفور لك: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»..تفسير الآية رقم (18): {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}فيه أربع مسائل الأولى: قال سعيد بن جبير: كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فلما نزلت هذه الآية خررن سجدا.وقال الكلبي: لما ظهر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام، فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان!. فلما دخلا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرفاه بالصفة والنعت، فقالا له: أنت محمد؟ قال: «نعم». قالا: وأنت أحمد؟ قال: «نعم». قالا: نسألك عن شهادة، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك. فقال لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سلاني». فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله. فأنزل الله تعالى على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ} فأسلم الرجلان وصدقا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد قيل: إن المراد بأولى العلم الأنبياء عليهم السلام.وقال ابن كيسان: المهاجرون والأنصار. مقاتل: مؤمنوا أهل الكتاب. السدى والكلبي: المؤمنون كلهم، وهو الأظهر لأنه عام.الثانية: في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء.وقال في شرف العلم لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم.وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن العلماء ورثة الأنبياء». وقال: «العلماء أمناء الله على خلقه». وهذا شرف للعلماء عظيم، ومحل لهم في الدين خطير. وخرج أبو محمد عبد الغني الحافظ من حديث بركة ابن نشيط- وهو عنكل بن حكارك وتفسيره بركة بن نشيط- وكان حافظا، حدثنا عمر ابن المؤمل حدثنا محمد بن أبى الخصيب حدثنا عنكل حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا شريك عن أبى إسحاق عن البراء قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العلماء ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة». وفى هذا الباب حديث عن أبي الدرداء خرجه أبو داود.الثالثة: روى غالب القطان قال: أتيت الكوفة في تارة فنزلت قريبا من الأعمش فكنت اختلف إليه. فلما كان ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة قام فتهجد من الليل فقرأ بهذه الآية: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ}قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة، وهي لي عند الله وديعة، وأن الدين عند الله الإسلام- قالها مرارا- فغدوت إليه وودعته ثم قلت: إنى سمعتك تقرأ هذه الآية فما بلغك فيها؟ أنا عندك منذ سنة لم تحدثني به. قال: والله لا حدثتك به سنة. قال: فأقمت وكتبت على بابه ذلك اليوم، فلما مضت السنة قلت: يا أبا محمد قد مضت السنة. قال: حدثني أبو وائل، عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله تعالى عبدى عهد إلى وأنا أحق من وفى أدخلوا عبدى الجنة». قال أبو الفرج الجوزي: غالب القطان هو غالب بن خطاف القطان، يروى عن الأعمش حديث: «شَهِدَ اللَّهُ» وهو حديث معضل. قال ابن عدي الضعف على حديثه بين.وقال أحمد بن حنبل: غالب بن خطاف القطان ثقة ثقة.وقال ابن معين: ثقة.وقال أبو حاتم: صدوق صالح.قلت: يكفيك من عدالته وثقته أن خرج له البخاري ومسلم في كتابيهما، وحسبك.وروى من حديث أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من قرأ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ عند منامه خلق الله له سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة». ويقال من أقر بهذه الشهادة عن عقد من قلبه فقد قام بالعدل.وروى عن سعيد بن جبير أنه قال: كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما لكل حي من أحياء العرب صنم أو صنمان. فلما نزلت هذه الآية أصبحت الأصنام قد خرت ساجدة لله.الرابعة: قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ} أي بين وأعلم، كما يقال: شهد فلان عند القاضي إذا بين وأعلم لمن الحق، أو على من هو. قال الزجاج: الشاهد هو الذي يعلم الشيء ويبينه، فقد دلنا الله تعالى على وحدانيته بما خلق وبين.وقال أبو عبيدة: {شَهِدَ اللَّهُ} بمعنى قضى الله، أي أعلم.وقال ابن عطية: وهذا مردود من جهات. وقرأ الكسائي بفتح {أن} في قوله: {أنه لا إله إلا هو} وقوله: {أن الدين}. قال المبرد: التقدير: أن الدين عند الله الإسلام بأنه لا إله إلا هو، ثم حذفت الباء كما قال: أمرتك الخير. أي بالخير. قال الكسائي: أنصبهما جميعا، بمعنى شهد الله أنه كذا، وأن الدين عند الله. قال ابن كيسان: {أن} الثانية بدل من الأولى، لأن الإسلام تفسير المعنى الذي هو التوحيد. وقرأ ابن عباس فيما حكى الكسائي {شهد الله إنه} بالكسر {أن الدين} بالفتح. والتقدير: شهد الله أن الدين الإسلام، ثم ابتدأ فقال: إنه لا إله إلا هو. وقرأ أبو المهلب وكان قارئا- شهداء الله بالنصب على الحال، وعنه {شَهِدَ اللَّهُ}.وروى شعبة عن عاصم عن زر عن أبي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقرأ {أن الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية}. قال أبو بكر الأنباري: ولا يخفى على ذي تمييز أن هذا الكلام من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جهة التفسير، أدخله بعض من نقل الحديث في القرآن. و{قائِماً} نصب على الحال المؤكدة من اسمه تعالى في قوله: {شَهِدَ اللَّهُ} أو من قوله: {إِلَّا هُوَ}.وقال الفراء: هو نصب على القطع، كان أصله القائم، فلما قطعت الألف واللام نصب كقوله: {وَلَهُ الدِّينُ واصِباً}.وفي قراءة عبد الله {القائم بالقسط} على النعت، والقسط العدل. {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} كرر لان الأولى حلت محل الدعوى، والشهادة الثانية حلت محل الحكم.وقال جعفر الصادق: الأولى وصف وتوحيد، والثانية رسم وتعليم، يعني قولوا لا إله إلا الله العزيز الحكيم..تفسير الآية رقم (19): {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19)}قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} الدين في هذه الآية الطاعة والملة، والإسلام بمعنى الايمان والطاعات، قال أبو العالية، وعليه جمهور المتكلمين. والأصل في مسمى الايمان والإسلام التغاير، لحديث جبريل. وقد يكون بمعنى المرادفة. فيسمى كل واحد منهما باسم الأخر، كما في حديث وفد عبد القيس وأنه أمرهم بالايمان بالله وحده وقال: «هل تدرون ما الايمان؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم» الحديث. وكذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الايمان بضع وسبعون بابا فأدناها إماطة الأذى وأرفعها قول لا إله إلا الله» أخرجه الترمذي. وزاد مسلم: «والحياء شعبة من الايمان». ويكون أيضا بمعنى التداخل وهو أن يطلق أحدهما ويراد به مسماه في الأصل ومسمى الآخر، كما في هذه الآية إذ قد دخل فيها التصديق والأعمال، ومنه قول عليه السلام: «الايمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان». أخرجه ابن ماجة، وقد تقدم. والحقيقة هو الأول وضعا وشرعا، وما عداه من باب التوسع والله أعلم.قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} الآية. أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب أنه كان على علم منهم بالحقائق، وأنه كان بغيا وطلبا للدنيا. قال ابن عمر وغيره. وفى الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم، قاله الأخفش. قال محمد بن جعفر بن الزبير: المراد بهذه الآية النصارى، وهي توبيخ لنصارى نجران.وقال الربيع بن أنس: المراد بها اليهود. ولفظ الذين أوتوا الكتاب يعم اليهود والنصارى، أي {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} يعني في نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ} يعني بيان صفته ونبوته في كتبهم.وقيل:؟ أي وما اختلف الذين أوتوا الإنجيل في أمر عيسى وفرقوا فيه القول إلا من بعد ما جاءهم العلم بأن الله إله واحد، وأن عيسى عبد الله ورسوله. و{بَغْياً} نصب على المفعول من أجله، أو على الحال من {الَّذِينَ}. والله تعالى أعلم.
|