الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ إمْلاَءً قَالَ إتْيَانُ دَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ حَقٌّ وَالْوَلِيمَةُ الَّتِي تُعْرَفُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ وَكُلُّ دَعْوَةٍ كَانَتْ عَلَى إمْلاَكٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ خِتَانٍ أَوْ حَادِثِ سُرُورٍ دُعِيَ إلَيْهَا رَجُلٌ فَاسْمُ الْوَلِيمَةِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَلاَ أُرَخِّصُ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهَا وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَبْنِ لِي أَنَّهُ عَاصٍ فِي تَرْكِهَا كَمَا يَبِينُ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَهَلْ يَفْتَرِقَانِ وَكِلاَهُمَا يُكَلَّفُ عِنْدَ حَادِثِ سُرُورٍ وَمِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُسِرَّهُ؟ قِيلَ قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي هَذَا وَيَجْتَمِعُ فِي هَذَا أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ عِنْدَ غَيْرِ حَادِثِ الطَّعَامِ فَيَدْعُوَ عَلَيْهِ فَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الْوَلِيمَةَ عَلَى عُرْسٍ وَلَمْ أَعْلَمْهُ أَوْلَمَ عَلَى غَيْرِهِ. وَأَنَّ: {النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنْ يُولِمَ وَلَوْ بِشَاةٍ} وَلَمْ أَعْلَمْهُ أَمَرَ بِذَلِكَ أَظُنُّهُ قَالَ أَحَدًا غَيْرَهُ حَتَّى: {أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَفِيَّةَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ بِسَوِيقِ وَتَمْرٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ صَائِمًا أَجَابَ الدَّعْوَةَ وَبَارَكَ وَانْصَرَفَ وَلَمْ نُحَتِّمْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ فَعَلَ وَأَفْطَرَ إنْ كَانَ صَوْمُهُ غَيْرَ وَاجِبٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ قَبْلُ وَبَعْدُ لَهُ رَبُّ الْوَلِيمَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَبَاهُ دَعَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ فِيهِمْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَأَحْسِبُهُ قَالَ فَبَارَكَ وَانْصَرَفَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي يَزِيدَ يَقُولُ دَعَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَتَاهُ فَجَلَسَ وَوَضَعَ الطَّعَامَ فَمَدّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَدَهُ وَقَالَ خُذُوا بِسْمِ اللَّهِ وَقَبَضَ عَبْدُ اللَّهِ يَدَهُ وَقَالَ إنِّي صَائِمٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ جُرَيْجٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ أَدْرِي عَنْ عَطَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ جَاءَ رَسُولُ ابْنِ صَفْوَانَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ يُعَالِجُ زَمْزَمَ يَدْعُوهُ وَأَصْحَابَهُ فَأَمَرَهُمْ فَقَامُوا وَاسْتَعْفَاهُ وَقَالَ إنْ لَمْ يُعْفِنِي جِئْته. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا قَدَرَ الرَّجُلُ عَلَى إتْيَانِ الْوَلِيمَةِ بِحَالٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِهَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ أَوْ قَلَّ لاَ أَعْلَمُ الزِّحَامَ يَمْنَعُ مِنْ الْوَاجِبِ وَاَلَّذِي يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ قَصْدِ صَاحِبِ الْوَلِيمَةِ قَصَدَهُ بِالدَّعْوَةِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ لَهُ رَسُولُ صَاحِبِ الْوَلِيمَةِ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُوذِنَ مَنْ رَأَيْت فَكُنْت مِمَّنْ رَأَيْت أَنْ أُوذِنَك فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْوَلِيمَةَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَلِيمَةِ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدَهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يَأْتِيَ. وَمَنْ لَمْ يُدْعَ. ثُمَّ جَاءَ فَأَكَلَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ مَا أَكَلَ إلَّا بِأَنْ يَحِلَّ لَهُ صَاحِبُ الْوَلِيمَةِ وَإِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ إلَى الْوَلِيمَةِ وَفِيهَا الْمَعْصِيَةُ مِنْ الْمُسْكِرِ أَوْ الْخَمْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ نَهَاهُمْ فَإِنْ نَحَّوْا ذَلِكَ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ أُحِبَّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَإِنْ عَلِمَ قَبْلُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَلاَ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ وَلاَ يَدْخُلَ مَعَ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ رَأَى صُوَرًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى فِيهِ ذَوَاتِ أَرْوَاحٍ لَمْ يَدْخُلْ الْمَنْزِلَ الَّذِي تِلْكَ الصُّوَرُ فِيهِ إنْ كَانَتْ تِلْكَ مَنْصُوبَةً لاَ تُوطَأُ فَإِنْ كَانَتْ تُوطَأُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهُ, وَإِنْ كَانَتْ صُوَرًا غَيْرَ ذَوَاتِ أَرْوَاحٍ مِثْلَ صُوَرِ الشَّجَرِ فَلاَ بَأْسَ إنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَنْ يُصَوِّرَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ الَّتِي هِيَ خَلْقُ اللَّهِ, وَإِنْ كَانَتْ الْمَنَازِلُ مُسْتَتِرَةً فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهَا وَلَيْسَ فِي السِّتْرِ شَيْءٌ أَكْرَهُهُ أَكْثَرُ مِنْ السَّرَفِ وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا دَعَاهُ الرَّجُلُ إلَى الطَّعَامِ أَنْ يُجِيبَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٍ لَقَبِلْتهَا وَلَوْ دُعِيت إلَى كَرَاعٍ لاََجَبْت}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: {أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى أَبَا طَلْحَةَ وَجَمَاعَةً مَعَهُ فَأَكَلُوا عِنْدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ وَلِيمَةٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: {وَدَعَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ دَعَتْ فَأَكَلُوا عِنْدَهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِنِّي لاََحْفَظُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَابَ إلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ فِي غَيْرِ وَلِيمَةٍ.
الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ فِي صِحَّةٍ مِنْهُ وَجَوَازٍ مِنْ أَمْرِهِ وَذَلِكَ فِي صَفَرَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمِائَتَيْنِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَزَقَ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ مَالاً فَأَخَذَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ جِيَادًا صِحَاحًا مَثَاقِيلَ وَضَمَّنَهَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ لِابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ وَأَشْهَدَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ شُهُودَ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ بِثَلاَثَةِ أَعْبُدٍ مِنْهُمْ وَصِيفٌ أَشْقَرُ خَصِيٌّ يُقَالُ لَهُ صَالِحٌ وَوَصِيفٌ نُوبِيٌّ خَبَّازٌ يُقَالُ لَهُ بِلاَلٌ وَعَبْدٌ فَرَّانِي قَصَّارٌ يُدْعَى سَالِمًا وَبِأَمَةٍ شَقْرَاءَ تُدْعَى فُلاَنَةَ وَقَبَضَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ لِابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ مِنْ نَفْسِهِ وَصَارُوا مِنْ مَالِ ابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ وَخَرَجُوا مِنْ مِلْكِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ وَأَشْهَدَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ شُهُودَ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ بِجَمِيعِ حُلِيِّهِ وَهُوَ مَسْكَنَانِ وَدُمْلُجَانِ وَخَلْخَالاَنِ وَقِلاَدَةٌ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ وَبِمِثْلِ هَذَا حُلِيٌّ مِنْ الْوَرِقِ وَقَبَضَهُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَدَفَعَهُ إلَى أُمِّهِ تَقْبِضُهُ لَهُ وَتَحْفَظُهُ عَلَيْهِ وَصَارَ كُلُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَالاً مِنْ مَالِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَشْهَدَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ شُهُودَ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَسْكَنِهِ الَّذِي بِمَهْبِطِ ثَنِيَّةِ كُدًى مِنْ مَكَّةَ قُبَالَةَ دَارِ مُنِيرَةَ عَلَى يَسَارِ الْخَارِجِ مِنْ مَكَّةَ فِي شِعْبِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ وَهُمَا الْمَسْكَنَانِ اللَّذَانِ أَحَدُهُمَا الْمَسْكَنُ الَّذِي بِفِنَاءِ دَارِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الْعُظْمَى أَحَدُ هَذَيْنِ الْمَسْكَنَيْنِ الْمَسْكَنُ الَّذِي بَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ إلَى جَنْبِ الْمَنْزِلِ الَّذِي يُعْرَفُ بِجَابِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَذَلِكَ الْمَنْزِلُ أَحَدُ حُدُودِهِ كُدًى وَحَدُّهُ الثَّانِي الرَّحْبَةُ الَّتِي بِفِنَاءِ دَارِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الْعُظْمَى وَالْحَدُّ الثَّالِثُ طَرِيقُ شِعْبِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ وَالْحَدُّ الرَّابِعُ طَرِيقُ الشِّعْبِ الْعُظْمَى إلَى ذِي طُوًى وَالْمَسْكَنُ الثَّانِي سَقَائِفُ حِجَارَةٍ نَجِيرَتُهَا وَحُجْرَتُهَا عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْخِزَانَةُ الصَّغِيرَةُ وَهَذَا الْمَنْزِلُ الَّذِي يُعْرَفُ بِفُلاَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْمَنْزِلُ الَّذِي يُعْرَفُ بِعَمْرٍو الْمُؤَذِّنِ تَصَدَّقَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بِهَذَيْنِ الْمَسْكَنَيْنِ بِجَمِيعِ حُقُوقِهِمَا وَأَرْضِهِمَا وَبِنَائِهِمَا وَعَامِرِهِمَا وَطُرُقِهِمَا وَكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُمَا دَاخِلٌ فِيهِمَا وَخَارِجٌ مِنْهُمَا عَلَى ابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً لاَ تُبَاعُ وَلاَ تُورَثُ حَتَّى يَرِثَهَا اللَّهُ الَّذِي يَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ يَمْلِكُ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ مَنَافِعِهِمَا مَا يَمْلِكُ مِنْ مَنَافِعِ الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ مَا عَاشَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ لاَ حَقَّ فِيهَا لِأَحَدٍ مَعَهُ حَتَّى تَعْتِقَ أُمُّ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَإِذَا عَتَقَتْ أُمُّ أَبِي الْحَسَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ كَانَتْ أُسْوَتُهُ فِي هَذَيْنِ الْمَسْكَنَيْنِ فَإِذَا انْقَرَضَ أَبُو الْحَسَنِ فَهَذَانِ الْمَسْكَنَانِ لِوَلَدِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَوَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ الَّذِينَ عَمُودُ نَسَبِ آبَائِهِمْ إلَيْهِ مَا تَنَاسَلُوا وَجِدَّتُهُمْ أُمُّ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَعَهُمْ لَهَا كَحَظِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَمُوتَ فَإِذَا انْقَرَضَ أَبُو الْحَسَنِ وَوَلَدُ وَلَدِهِ فَهَذَانِ الْمَسْكَنَانِ لِأُمِّ أَبِي الْحَسَنِ حَتَّى تَنْقَرِضَ فَإِذَا انْقَرَضَتْ فَهَذَانِ الْمَسْكَنَانِ لِفَاطِمَةَ وَزَيْنَبَ ابْنَتَيْ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ وَوَلَدِهِ إنْ وُلِدَ لِمُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ بَعْدَ هَذَا الْكِتَابِ شَرْعًا فِيهِ سَوَاءٌ مَا تَنَاسَلُوا وَلاَ يَكُونُ هَذَانِ الْمَسْكَنَانِ لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ وَلاَ وَلَدِ وَلَدِهِ وَلاَ وَلَدِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَلاَ وَلَدِ وَلَدِهِ مِنْ الْإِنَاثِ إلَّا بِنْتًا عَمُودُ نَسَبِ أَبِيهَا إلَى مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ أَوْ إلَى أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَهَذَانِ الْمَنْزِلاَنِ صَدَقَةٌ عَلَى آلِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى مَنْ حَضَرَ مَكَّةَ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ وَقَدْ دَفَعَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ هَذَيْنِ الْمَسْكَنَيْنِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيِّ فَهُمَا بِيَدِهِ لِأَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ لِمَنْ سَمَّى مَعَهُ وَبَعْدَهُ وَأَخْرَجَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ مِنْ مِلْكِهِ وَجَعَلَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِأَبِي الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمَنْ سَمَّى مَعَهُ وَبَعْدَهُ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَعَلَى أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مُحَمَّدٍ الْمَوْلُودَ بِمِصْرَ مُتَصَدَّقٌ عَلَيْهِ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى مَا شَرَطَ فِيهِ صَغِيرٌ يَلِي مُحَمَّدَ بْنَ إدْرِيسَ أَبُوهُ الْقَبْضَ لَهُ وَالْإِعْطَاءَ مِنْهُ وَمَا يَلِي الْأَبَ مِنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ) قَالَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} فَلَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ نَافِذًا عَلَى مَا جَعَلْتُمُوهُ وَهَذَا إبْطَالُ مَا جَعَلُوا مِنْهُ عَلَى غَيْرِ طَاعَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: كَانُوا يَبْحَرُونَ الْبَحِيرَةَ وَيُسَيِّبُونَ السَّائِبَةَ وَيُوصِلُونَ الْوَصِيلَةَ وَيَحْمُونَ الْحَامَ عَلَى غَيْرِ مَعَانٍ سَمِعْت كَثِيرًا مِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ يَحْكُونَ فِيهِ فَتَجْتَمِعُ حِكَايَتُهُمْ عَلَى أَنَّ مَا حَكَوْا مِنْهُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي لاَ يَشُكُّونَ فِيهِ وَلاَ يُمْكِنُ فِي مِثْلِهِ الْغَلَطُ لِأَنَّ فِيمَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا عَوَامَّهُمْ يَحْكُونَهُ عَنْ عَوَامِّ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ فَكَانَ مِمَّا حَكَوْا مُجْتَمَعِينَ عَلَى حِكَايَتِهِ أَنْ قَالُوا الْبَحِيرَةُ النَّاقَةُ تُنْتِجُ بُطُونًا فَيَشُقُّ مَالِكُهَا أُذُنَهَا وَيُخَلِّي سَبِيلَهَا وَيَحْلُبُ لَبَنَهَا فِي الْبَطْحَاءِ وَلاَ يَسْتَجِيزُونَ الِانْتِفَاعَ بِلَبَنِهَا ثُمَّ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تُنْتِجُ خَمْسَةَ بُطُونٍ فَتُبْحَرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْبُطُونُ كُلُّهَا إنَاثًا, وَالسَّائِبَةُ الْعَبْدُ يُعْتِقُهُ الرَّجُلُ عِنْدَ الْحَادِثِ مِثْلَ الْبُرْءِ مِنْ الْمَرَضِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الشُّكْرِ أَوْ أَنْ يَبْتَدِئَ عِتْقَهُ فَيَقُولُ قَدْ أَعْتَقْتُك سَائِبَةً يَعْنِي سَيَّبْتُك فَلاَ تَعُودُ إلَيَّ وَلاَ لِي الِانْتِفَاعِ بِوَلاَئِك كَمَا لاَ يَعُودُ إلَيَّ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِك وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ السَّائِبَةُ وَجْهَانِ هَذَا أَحَدُهُمَا وَالسَّائِبَةُ أَيْضًا يَكُونُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ الْبَعِيرُ يُنْجِحُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ الْحَاجَةَ أَوْ يَبْتَدِئَ الْحَاجَةَ أَنْ يُسَيِّبَهُ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَرَأَيْت مَذَاهِبَهُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ فِيمَا صَنَعُوا أَنَّهُ كَالْعِتْقِ. قَالَ وَالْوَصِيلَةُ الشَّاةُ تُنْتِجُ الْأَبْطُنَ فَإِذَا وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَ الْأَبْطُنِ الَّتِي وَقَّتُوا لَهَا قِيلَ وَصَلَتْ أَخَاهَا وَزَادَ بَعْضُهُمْ تُنْتِجُ الْأَبْطُنَ الْخَمْسَةَ عَنَاقَيْنِ عَنَاقَيْنِ فِي كُلِّ بَطْنٍ فَيُقَالُ هَذِهِ وَصِيلَةٌ تَصِلُ كُلَّ ذِي بَطْنٍ بِأَخٍ لَهُ مَعَهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ قَدْ يُوَصِّلُونَهَا فِي ثَلاَثَةِ أَبْطُنٍ وَيُوَصِّلُونَهَا فِي خَمْسَةٍ وَفِي سَبْعَةٍ. قَالَ: وَالْحَامُ الْفَحْلُ يَضْرِبُ فِي إبِلِ الرَّجُلِ عَشَرَ سِنِينَ فَيُخْلَى وَيُقَالُ قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ فَلاَ يَنْتَفِعُونَ مِنْ ظَهْرِهِ بِشَيْءٍ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ يَكُونُ لَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ وَمَا أَنْتَجَ مِمَّا خَرَجَ مِنْ صُلْبِهِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَيُقَالُ قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ. قَالَ: وَأَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ الْعَرَبِ أَعْلَمُ بِهَذَا مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَقَدْ سَمِعْت مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مِنْ يَحْكِي مَعْنَى مَا حَكَيْت عَنْ الْعَرَبِ وَفِيمَا سَمِعْت حِكَايَتَهُمْ نَصًّا وَدَلاَلَةً مِنْ أَخْبَارِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْحَرُونَ الْبَحِيرَةَ وَيُسَيِّبُونَ السَّائِبَةَ وَيُوصَلُونَ الْوَصِيلَةَ وَيَحْمُونَ الْحَامَ عَلَى وُجُوهٍ جِمَاعُهَا أَنْ يَكُونُوا مُؤَدِّينَ بِمَا يَصْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ حَقًّا عَلَيْهِمْ مِنْ نَذْرٍ نَذْرُوَهُ فَوَفَّوْا بِهِ أَوْ فَعَلُوهُ بِلاَ نَذْرِهِمْ أَوْ بِحَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِمْ عِنْدَهُمْ فَأَدَّوْهُ, وَكَانَ عِنْدَهُمْ إذَا فَعَلُوهُ خَارِجًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِمَا فَعَلُوا فِيهِ مِثْلَ خُرُوجِ مَا أَخْرَجُوا إلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمَالِكِينَ وَكَانُوا يَرْجُونَ بِأَدَائِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيَنَالُونَ بِهِ عِنْدَهُمْ مَكْرُمَةً مَعَ التَّبَرُّرِ بِمَا صَنَعُوا فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَكَانَ فِعْلُهُمْ يَجْمَعُ أُمُورًا مِنْهَا أَمْرٌ وَاحِدٌ بِرٌّ فِي الْأَخْلاَقِ وَطَاعَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَنْفَعَتِهِ ثُمَّ شَرَطُوا فِي ذَلِكَ الشَّيْءَ شَرْطًا لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ فَأَنْفَذَ الْبِرَّ وَرَدَّ الشَّرْطَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ وَهُوَ أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يُعْتِقُ عَبْدَهُ سَائِبَةً وَمَعْنَى يُعْتِقُهُ سَائِبَةً هُوَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ سَائِبَةً فَكَمَا أَخْرَجْتُك مِنْ مِلْكِي وَمَلَّكْتُك نَفْسَك فَصَارَ مِلْكُك لاَ يَرْجِعُ إلَيَّ بِحَالٍ أَبَدًا فَلاَ يَرْجِعُ إلَيَّ وَلاَؤُك كَمَا لاَ يَرْجِعُ إلَيَّ مِلْكُك فَكَانَ الْعِتْقُ جَائِزًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَدَأَ فِيهِ ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عِنْدَ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ الشَّرْطُ بِأَنَّ الْعِتْقَ سَائِبَةٌ لاَ يَثْبُتُ وَلاَؤُهُ لِمُعْتَقِهِ شَرْطًا مُبْطِلاً فِي كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلاَ: {وَلاَ سَائِبَةً} لاَ يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَعْتَقَ سَائِبَةً لَمْ يَكُنْ بِرًّا كَمَا لَمْ تَكُنْ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ عَلَى مَا جَعَلَ مَالِكُهَا مِنْ تبحيرها وَتَوْصِيلِهَا وَحِمَايَةِ ظُهُورِهَا فَلَمَّا أَبْطَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ شَرْطَ مَالِكِهَا فِيهَا كَانَتْ عَلَى أَصْلِ مِلْكِ مَالِكِهَا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَالِكُهَا مَا قَالَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَفَتُوجِدُنِي فِي كِتَابِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ هَذَا بَيَانًا لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا بَطَلَ فِي شَيْءٍ أَخْرَجَهُ إنْسَانٌ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِتْقِ بَنِي آدَمَ رَجَعَ إلَى أَصْلِ مِلْكِهِ؟ قِيلَ نَعَمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} وَفِي الْإِجْمَاعِ أَنَّ مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَالْبَائِعُ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ لاَ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا وَالْبَيْعُ فِيهِ صَحِيحٌ وَالْمَرْأَةُ تُنْكَحُ نِكَاحًا فَاسِدًا هِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ لاَ زَوْجَ لَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَيَحْتَمِلُ لِقَائِلٍ لَوْ قَالَ بِظَاهِرِ الآيَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَبْطَلَ الشَّرْطَ فِي السَّائِبَةِ كَمَا أَبْطَلَهُ فِي الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَكُلُّهَا عَلَى أَصْلِ مِلْكِهَا لِمَالِكِهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ وَلاَ عِتْقَ لِلسَّائِبَةِ لِأَنَّ سِيَاقَ الآيَةِ فِيهَا وَاحِدٌ. (قَالَ) وَهَذَا قَوْلٌ وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ الْآيَةُ لاَ يَقُومُ وَلاَ أَعْلَمُ قَائِلاً يَقُولُ بِهِ وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ قَبْلَهُ الَّذِي ذَكَرْت أَنَّهُ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى مَا جَعَلْتُمْ فَأَبْطَلَ فِي الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لاَ يَقَعُ عَلَى الْبَهَائِمِ وَلاَ تَكُونُ إلَّا مَمْلُوكَةً لِلْآدَمِيَّيْنِ وَلاَ تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ مَالِكِهَا مِنْهُمْ إلَّا إلَى مَالِكٍ مِنْهُمْ وَأَكْثَرُ السَّائِبَةِ إذَا كَانَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَهَائِمِ قَبْلَ التَّسْيِيبِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ لاَ تَمْلِكُ أَنْفُسَهَا كَهِيَ وَإِذَا كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُخْرِجُ مِنْ مِلْكِ مَالِكِهِ لِلْآدَمِيِّ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا كَمَا يَكُونُ مُعْتِقُهُ مَالِكًا وَكَانَ الَّذِي أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ السَّائِبَةِ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ خَارِجًا مِنْ وَلاَئِهِ بِشَرْطِهِ ذَلِكَ فِي عِتْقِهِ وَأَقَرَّ وَلاَءَهُ لِمُعْتِقِهِ كَمَا أَقَرَّ مِلْكَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ لِمَالِكِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَلْ عَلَى مَا وَصَفْت دَلاَلَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تُبَيِّنُ مَا قُلْت مِنْ خِلاَفِ بَنِي آدَمَ لِلْبَهَائِمِ وَغَيْرِ بَنِي آدَمَ مِنْ الْأَمْوَالِ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ؟ قِيلَ نَعَمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيْنَ هِيَ؟ قِيلَ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} إلَى قَوْلِهِ: {ذَا مَتْرَبَةٍ} وَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ وَالْإِطْعَامِ نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهِ حِينَ ذَكَرَ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُظَاهَرَةِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وَقَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ فِي الْقَاتِلِ خَطَأً: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وَقَالَ فِي الْحَالِفِ: {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وَكَانَ حُكْمُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا مَلَّكَهُ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ أَنَّهُمْ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ مِلْكِهِمْ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا فَكُّ الْمِلْكِ عَنْهُمْ بِالْعِتْقِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِرًّا جَائِزًا وَلاَ يَمْلِكُهُمْ آدَمِيٌّ بَعْدَهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مَالِكُهُمْ إلَى آدَمِيٍّ مِثْلِهِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ عَلَيْهِمْ كَمَا يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ بِأَيِّ وَجْهٍ صَيَّرَهُمْ إلَيْهِ قَالَ فَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - فِي الْبَهَائِمِ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ لاَ يَقَعُ عَلَيْهَا وَلاَ تُزَايِلُ مِلْكَ صَاحِبِهَا مَا كَانَ حَيًّا إلَّا إلَى مَالِكٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ يَقُولُ فِيهِ قَدْ أَخْرَجْتهَا مِنْ مِلْكِي وَكَانَ هَكَذَا كُلُّ مَا سِوَى بَنِي آدَمَ مِمَّا يَمْلِكُ بَنُو آدَمَ نَصًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدَلاَلَةً بِمَا ذَكَرْت فِيمَا سِوَى الْآدَمِيِّينَ مِنْ بَهِيمَةٍ وَمَتَاعٍ وَمَالٍ وَلاَ أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ قَالَ لِمَمَالِيكِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ عَتَقُوا وَلَوْ قَالَ لِمِلْكِهِ مِنْ الْبَهَائِمِ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ لَمْ تُعْتَقْ بَهِيمَةٌ وَلاَ غَيْرُ آدَمِيٍّ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: {عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها زَوْجِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَدْتهَا وَيَكُونُ وَلاَؤُك لِي فَعَلَتْ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا عَلَيْهَا فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَ إنِّي قَدْ عَرَضْت ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا؟ فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةُ شَرْطٍ قَضَاءً اللَّهُ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ}. (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: {عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُكَهَا عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لاَ يَمْنَعَنَّكِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ}. (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: {أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَك صَبَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقُك فَعَلْت فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا فَقَالُوا لاَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلاَؤُك لَنَا قَالَ مَالِكٌ قَالَ يَحْيَى فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ أَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لاَ يَمْنَعَنَّكِ ذَلِكَ فَاشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ} أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ} (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَكَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرِيرَةَ فِي إبْطَالِ شَرْطِ مَالِكِيهَا الَّذِينَ بَاعُوهَا عَلَى عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ الْوَلاَءَ لَهُمْ وَإِثْبَاتُهُ لِبَرِيرَةَ الْعِتْقُ دَلاَلَةٌ عَلَى مِثْلِ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ سَائِبَةٍ} فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ أَبْطَلَ التَّسْيِيبَ إذَا شَرَطَ مَالِكُهُ أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ وَلاَءُ الْمُعْتَقِ الْمُسَيَّبِ وَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطَ مَالِكِ بَرِيرَةَ الَّذِي بَاعَهَا أَنَّ لَهُ الْوَلاَءَ دُونَ مُعْتِقِهَا وَثَبَتَ الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَكَانَ فِي قَوْلِهِ: {إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} مَعْنَيَانِ أَنْ لاَ يَكُونَ مُعْتَقٌ أَبَدًا يَزُولُ عَنْهُ الْوَلاَءُ بِإِزَالَتِهِ إيَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ عِتْقٍ وَلاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ وَلاَ بِحَالٍ مِنْ الْحَالاَتِ اخْتِلاَفُ دَيْنَيْنِ وَلاَ غَيْرُهُ وَلَوْ زَالَ عَنْ أَحَدٍ زَالَ عَنْ عَائِشَةَ إذَا لَمْ تَمْلِكْ بَرِيرَةَ إلَّا بِشَرْطٍ تَعْتِقُهَا وَوَلاَؤُهَا لِلَّذِي مَلَكَهَا إيَّاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} وَكَانَ مُعْتَقُ السَّائِبَةِ مُعْتَقًا وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ وَلاَءٌ وَكَانَ وَلاَؤُهُ ثَبَتَ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَنْتَقِلُ عَنْهُ. وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ لاَ يَكُونَ الْوَلاَءُ إلَّا لِلْمُعْتِقِ فَمَنْ أَعْتَقَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَلَيْهِ كَانَ الْوَلاَءُ لِلْمُعْتِقِ وَلاَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَبَدًا بِدَلاَلَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا عَتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ سَائِبَةً فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ وَلاَؤُهُ وَإِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدًا لَهُ مُؤْمِنًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ وَلاَؤُهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ مُؤْمِنٌ كَافِرًا وَلاَ عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمُ فِي الشَّكِّ فِي هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. لِأَنَّ الَّذِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ عَبْدُهُ فَيُعْتِقُهُ وَالْمُؤْمِنُ يُعْتِقُ عَبْدَهُ الْكَافِرَ لاَ يَعْدُونَ أَبَدًا أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ يَجُوزُ عِتْقُهُمْ فَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلاَلَةٌ فِي إبْطَالِ التَّسْيِيبِ أَنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَفِي قَوْلِهِ: {اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فَنَسَبَهُمْ لِشَيْئَيْنِ إلَى الْآبَاءِ وَإِلَى الْوَلاَءِ كَمَا نَسَبَهُمْ إلَى الْآبَاءِ نَسَبَهُمْ إلَى الْوَلاَءِ. وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} وَلَوْ غَرَبَ عَلَى أَحَدٍ عِلْمُ هَذَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسَيِّبَ وَالْمُؤْمِنَ يُعْتِقُ الْكَافِرَ وَالْكَافِرَ يُعْتِقُ الْمُؤْمِنَ لاَ يَعْدُونَ أَنْ يَكُونُوا مُعْتِقِينَ فَيَكُونُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ} أَوْ يَكُونُوا غَيْرَ مَالِكِينَ فَلاَ يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ مَا لاَ يَمْلِكُ لَمْ يَكُنْ حُرًّا وَلاَ يَكُونُ هَؤُلاَءِ مُعْتِقِينَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلاَ أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ لَقِيته مِنْ فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَشْرِقِيِّينَ خِلاَفًا فِيمَا قُلْت مِنْ أَنَّ وَلاَءَ السَّائِبَةِ وَالْمُؤْمِنِ يُعْتِقُهُ الْكَافِرُ لِمَنْ أَعْتَقَهُمَا. وَقَدْ حَفِظْت عَنْ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ هَذَا وَخَالَفَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي مِيرَاثِ السَّائِبَةِ: فَقَالَ أَحَدُهُمْ: يُوَالِي مَنْ شَاءَ. وَقَالَ آخَرُ: لاَ يُوَالِي مَنْ شَاءَ وَوَلاَؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَالَ قَائِلٌ: هَذَا وَإِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ فَوَلاَؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِذَا أَسْلَمَ سَيِّدُهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ وَلاَؤُهُ وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ كَافِرٌ عَبْدًا كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ قَبْلَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ كَانَ وَلاَؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا مَاتَ وَرِثُوهُ فَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ الْمُعْتِقُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ رَجَعَ إلَيْهِ وَلاَؤُهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ثَبَتَ لَهُ الْوَلاَءُ وَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ قَبْلَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَلِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ بَنُونَ مُسْلِمُونَ كَانَ وَلاَؤُهُ لِبَنِيهِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَقَدْ وَصَفْت مَوْضِعَ الْحُجَّةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَصَفْت بَعْدَ هَذَا الْحُجَّةَ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلٌ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا. أَرَأَيْت إنْ زَعَمَ أَنَّ الْكَافِرَ يَعْتِقُ الْكَافِرَ فَيَكُونُ الْوَلاَءُ ثَابِتًا لِلْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَالْمَوْلَى كَافِرٌ يَخْرُجُ الْوَلاَءُ زَعَمَ مِنْ يَدَيْهِ بِإِسْلاَمِهِ أَرَأَيْت إذَا زَعَمَ أَيْضًا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَؤُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِ وَلَدٌ مُسْلِمُونَ كَانَ لَهُمْ وَلاَؤُهُ فَكَيْفَ يَرِثُهُ وَلَدُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ بِأَنْ كَانَ وَلَدُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ مُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَلاَءُ لِأَبِيهِمْ فَكَيْفَ يَرِثُونَهُ بِوَلاَءِ أَبِيهِمْ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا فِي قَوْلِهِ كَأُسْوَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي وَلاَئِهِ. وَكَيْفَ إذَا وَرِثُوهُ بِالْوَلاَءِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ إذَا كَانَ كَافِرًا وَاَلَّذِي أَعْتَقَ كَافِرًا رَجَعَ إلَيْهِ الْوَلاَءُ وَقَدْ أَحْرَزَهُ بَنُوهُ دُونَهُ فَإِنْ كَانُوا أَحْرَزُوهُ دُونَهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ. وَإِنْ كَانُوا أَحْرَزُوهُ بِسَبَبِهِ فَالْوَلاَءُ لَهُ وَلَكِنَّهُ لاَ يَرِثُ لِاخْتِلاَفِ الْمِلَّتَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَمَا وَصَفْت يَدْخُلُ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا مَا حَكَيْت وَأَكْثَرَ مِنْهُ. وَمِنْ مُخْتَصَرِ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ} أَنَّهُ لاَ بُدَّ بِحُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَبْطُلَ أَمْرُ السَّائِبَةِ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُ أَمْرِهِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ ذَكَرَهُ مُبْطَلاً مَعَ مَا أَبْطَلَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ مِنْ الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ. فَإِنْ قَالَ يَبْطُلُ أَمْرُ السَّائِبَةِ كُلُّهُ فَلاَ يُجْعَلُ عِتْقُهُ عِتْقًا كَمَا لاَ تُجْعَلُ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ خَارِجَةً عَنْ مِلْكِ مَالِكِيهَا فَهَذَا قَوْلٌ قَدْ يَحْتَمِلُهُ سِيَاقُ الآيَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ إخْرَاجِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ مِلْكِ مَالِكِيهِمْ وَإِخْرَاجِ الْبَهَائِمِ فَأَجَزْنَا الْعِتْقَ فِي السَّائِبَةِ بِمَا أَجَازَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ الْعِتْقِ وَأَمَرَ بِهِ مِنْهُ وَلَمَّا أَجَزْنَا الْعِتْقَ فِي السَّائِبَةِ كُنَّا مُضْطَرِّينَ إلَى أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الَّذِي أَبْطَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ السَّائِبَةِ التَّسْيِيبَ وَهُوَ إخْرَاجُ الْمُعْتِقِ لِلسَّائِبَةِ وَلاَءَ السَّائِبَةِ مِنْ يَدَيْهِ فَلَمَّا أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ وَلاَؤُهُ لِلْمُعْتِقِ مَعَ دَلاَئِلِ الْآيِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا يُنْسَبُ فِيهِ أَصْلُ الْوَلاَءِ إلَى مَنْ أَعْتَقَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَيَلْزَمُ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ السَّائِبَةِ أَعْتَقَهَا مَالِكٌ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ: قِيلَ لَهُ فَقَدْ: {قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ} وَإِنْ قَالَ: لاَ قِيلَ لَهُ فَلِمَ تُعْتَقْ السَّائِبَةُ؟ وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهَا مَالِكُهَا لَمْ تُعْتَقْ وَيَلْزَمُهُ فِي الشَّبَهِ هَذَا فِي النَّصْرَانِيِّ مَالِكٌ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ فَإِنْ قَالَ النَّصْرَانِيُّ مَالِكٌ مُعْتَقٌ قِيلَ: فَقَدْ: {قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ} وَإِنْ قَالَ لاَ يَكُونُ مَالِكًا لِمُسْلِمٍ فَلَيْسَ الْمُسْلِمُ الْمُعْتَقُ يَجُوزُ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ غَيْرُ مَالِكٍ فَإِنْ قَالَ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لاَ يَرِثُهُ؟ قِيلَ لَهُ وَمَا لِلْمِيرَاثِ وَالْوَلاَءِ وَالنَّسَبِ؟ فَإِنْ قَالَ فَأَبِنْ أَنَّهُ إذَا مُنِعَ مِيرَاثُهُ ثَبَتَ لَهُ الْوَلاَءُ؟ قِيلَ نَعَمْ: أَرَأَيْت لَوْ قَتَلَهُ مَوْلاَهُ أَيَرِثُهُ؟ فَإِنْ قَالَ لاَ. قِيلَ لَهُ أَفَيَزُولُ وَلاَؤُهُ عَنْهُ؟ فَإِنْ قَالَ: لاَ قِيلَ فَمَا أَزَالَ الْمِيرَاثَ لاَ يُزِيلُ الْوَلاَءَ فَإِنْ قَالَ أَمَّا هَا هُنَا فَلاَ قِيلَ فَكَيْفَ قُلْت هُنَاكَ مَا قُلْت مَا أَزَالَ الْمِيرَاثَ أَزَالَ الْوَلاَء؟ وَقِيلَ لَهُ: أَنَّهُ رَأَيْت إذْ نَسَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ عليه الصلاة والسلام إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَنَسَبَ ابْنُ نُوحٍ وَهُوَ كَافِرٌ إلَى أَبِيهِ نُوحٍ عليه السلام أَرَأَيْته قَطَعَ الْأُبُوَّةَ بِاخْتِلاَفِ الْمِلَّتَيْنِ؟ فَإِنْ قَالَ: لاَ قِيلَ أَفَيَرِثُ الْأَبُ ابْنَهُ وَالِابْنُ أَبَاهُ؟ فَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ فَتَنْقَطِعُ الْأُبُوَّةُ بِانْقِطَاعِ الْمِيرَاثِ؟ فَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ فَكَيْفَ قَطَعْت الْوَلاَءَ وَلَمْ تَقْطَعْ النَّسَبَ وَهُمَا مَعًا سَبَبٌ؟ إنَّمَا مُنِعَ الْمِيرَاثُ بِاخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ. وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنْ يَكُونَ دُونَهُ مَنْ يَحْجُبُهُ وَذَلِكَ لاَ يَقْطَعُ وَلاَءً وَلاَ نَسَبًا وَالْحُجَّةُ تُمْكِنُ عَلَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَفِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَوَافَقَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي السَّائِبَةِ وَالْمُشْرِكِ يَعْتِقُ الْمُسْلِمَ فَقَالَ هَذَا الْقَوْلُ نَصُّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَالَفَنَا هَؤُلاَءِ مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ فَقَالُوا إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ فَلَهُ وَلاَؤُهُ وَلِلْمُسْلِمِ عَلَى يَدَيْهِ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ, وَهَكَذَا اللَّقِيطُ وَكُلُّ مَنْ لاَ وَلاَءَ لَهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ وَيَنْتَقِلُ بِوَلاَئِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ فِيهِ؟ فَقَالَ ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَ عَنْ ابْنِ مَوْهَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ: {أَنَّ رَجُلاً أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ أَحَقُّ النَّاسِ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ} فَقِيلَ لَهُ إنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتًا كُنْت قَدْ خَالَفْته. فَقَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت زَعَمْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {أَنْتَ أَحَقُّ النَّاسِ بِحَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ} قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا زَعَمْت لاَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إسْلاَمَ الْمَرْءِ عَلَى يَدَيْ الْمَرْءِ يُثْبِتُ لَهُ عَلَيْهِ مَا يُثْبِتُ الْعِتْقُ عَلَى الْمُعْتِقِ لِلْمُعْتَقِ أَفَيَكُونُ لَهُ إذَا أَعْتَقَ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ؟ قَالَ لاَ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت الْحَدِيثَ فَزَعَمْت أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلاَءُ مَا رَضِيَ بِهِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ وَإِذَا انْتَقَلَ انْتَقَلَ الْوَلاَءُ عَنْهُ حَتَّى يَعْقِلَ عَنْهُ. أَوْ رَأَيْت إذَا وَالَى فَكَانَ لَوْ مَاتَ وَرِثَ الْمَوْلَى الْوَلاَءَ كَيْفَ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ وَقَدْ ثَبَتَ الْوَلاَءُ عَلَيْهِ وَثَبَتَ لَهُ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي وَالاَهُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ أَوْ يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ فِي إسْلاَمِ الْمَرْءِ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ أَوْ مُوَالاَتِهِ إيَّاهُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِسْلاَمِ وَالْمُوَالاَةِ مَا يَثْبُتُ بِالْعِتْقِ وَمَا يَثْبُتُ مِنْ وَلاَءٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَك لَمْ يَتَحَوَّلْ كَمَا لاَ يَتَحَوَّلُ النَّسَبُ أَوْ يَكُونُ الْإِسْلاَمُ وَالْمُوَالاَةُ لَمْ يُثْبِتَا شَيْئًا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ مَعَانِي النَّسَبِ وَلاَ الْوَلاَءِ. فَأَمَّا مَا ذَهَبْت إلَيْهِ فَلَيْسَ وَاحِدًا مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَزَعَمْت أَنَّهُ ثَابِتٌ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ حَتَّى يَعْقِلَ عَنْهُ أَوْ رَأَيْت إنْ قَالَتْ الْعَاقِلَةُ لاَ نَعْقِلُ عَنْ هَذَا شَيْئًا لِأَنَّ هَذَا لاَ ذُو نَسَبٍ وَلاَ مَوْلًى وَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ فَاجْعَلْ لَنَا وَلِصَاحِبِنَا الَّذِي وَالاَهُ الْخِيَارَ فِي أَنْ نَدْفَعَ وَلاَءَهُ فَالْمَوْلَى مِنْ أَعْلَى أَوْلَى أَنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ مِنْ الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلُ مَا تَقُولُ لَهُ؟ وَإِنْ جَازَ هَذَا لَك جَازَ لِغَيْرِك أَنْ يَجْعَلَ الْخِيَارَ لِلْأَعْلَى وَلاَ يَجْعَلُهُ لِلْأَسْفَلِ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْكُمَا. أَرَأَيْت وَلَدًا إنْ كَانُوا لِلْمُسْلِمِ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ وَكَانُوا لاَ وَلاَءَ لَهُمْ أَيَجُرُّ وَلاَؤُهُمْ كَمَا يَجُرُّهُ الْمُعْتِقُ لِلْأَبِ إذَا أَعْتَقَ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْت نَعَمْ قُلْت فَقُلْهُ قَالَ فَإِذَا يَتَفَاحَشُ عَلَى فَأَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ جَرَّ الْوَلاَءُ وَإِذَا انْتَقَلَ بِهِ انْتَقَلَ وَلاَؤُهُ وَيَتَفَاحَشُ فِي أَنْ أَقُولَ قَدْ كَانَ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ الَّذِي لَهُ فَإِنْ قُلْت: يَجُرُّ الْأَبُ وَلاَءَهُمْ قَطَعْت حُقُوقَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ قُلْت بَلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ مَا لَهُ زَعَمْت أَنَّهُ لاَ يَجُرُّ وَلاَءَهُمْ وَلِذَلِكَ أَقُولُ لاَ يَجُرُّ وَلاَءَهُمْ قُلْت وَيَدْخُلُ عَلَيْك فِيهِ أَفْحَشَ مِنْ هَذَا قَالَ قَدْ أَرَى مَا يَدْخُلُ فِيهِ أَثَابِتٌ الْحَدِيثُ؟ قُلْت لاَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَأَنَّ ابْنَ مَوْهَبٍ رَجُلٌ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ بِالْحَدِيثِ وَلَمْ يَلْقَ تَمِيمًا الدَّارِيَّ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ وَجْهَيْنِ. وَقَدْ قُلْت فِي اللَّقِيطِ بِأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِمَنْ الْتَقَطَهُ هُوَ حُرٌّ وَلَك وَلاَؤُهُ قُلْت أَنْتَ تَقُولُ فِي اللَّقِيطِ أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ؟ قَالَ نَعَمْ إنْ لَمْ يُوَالِ عَنْهُ السُّلْطَانُ وَإِذَا وَالَى عَنْهُ السُّلْطَانُ فَهَذَا حُكْمٌ عَلَيْهِ قُلْت أَفَتُثْبِتُ عَلَيْهِ مُوَالاَةَ السُّلْطَانِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ إذَا بَلَغَ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ أَوْ يَكُونَ لَهُ الِانْتِقَالُ بِوَلاَئِهِ إذَا بَلَغَ قَالَ فَإِنْ قُلْت بَلْ لَهُ الِانْتِقَالُ بِوَلاَئِهِ كَمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ ثُمَّ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ؟ قُلْت لَهُ فَمُوَالاَةُ السُّلْطَانِ إذًا عَنْهُ غَيْرُ حُكْمٍ عَلَيْهِ قَالَ نَعَمْ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حُكْمًا عَلَيْهِ؟ قُلْت الْمَسْأَلَةُ عَلَيْك لِأَنَّك بِهَا تَقُولُ قَالَ مَا يَصْلُحُ الْحُكْمُ إلَّا عَلَى الْمُتَقَدِّمِ مِنْ الْخُصُومَةِ وَمَا هَا هُنَا مُتَقَدِّمٌ مِنْ خُصُومِهِ قُلْت فَقُلْ مَا شِئْت قَالَ فَإِذَا قُلْت فَهُوَ حُكْمٌ قُلْت فَقَدْ رَجَعْت إلَى أَنْ قُلْت بِمَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ يَصْلُحُ الْحُكْمُ إلَّا عَلَى الْمُتَقَدِّمِ مِنْ خُصُومَةٍ وَمَا هَهُنَا مُتَقَدِّمٌ مِنْ خُصُومَةٍ. قَالَ فَلاَ أَقُولُهُ وَأَقُولُ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلاَئِهِ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت مَا رَوَيْت عَنْ عُمَرَ وَلاَ أَسْمَعُك تَصِيرُ إلَى شَيْءٍ إلَّا خَالَفْته قَالَ فِيمَ تَرَكْت الْحَدِيثَيْنِ قُلْت بِالدَّلاَلَةِ فِي السَّائِبَةِ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْطُلَ التَّسْيِيبُ وَيَثْبُتَ الْعِتْقُ وَيَكُونَ الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَمَا جَامَعْتنَا عَلَيْهِ؟ فِي النَّصْرَانِيِّ بِمَعْنَى كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَصُّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمَّا يَلْزَمُك فِيمَا جَامَعْتنَا عَلَيْهِ فِي النَّصْرَانِيِّ يَعْتِقُ الْمُسْلِمَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} وَهَذَا مُعْتِقٌ فَلَزِمْت فِيهِمَا مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. ثُمَّ اضْطَرَبَ قَوْلُك فَزَايَلْت مَعْنَاهُمَا قَالَ ذَهَبْت إلَى حَدِيثٍ ثَبَتَ قُلْت أَمَّا الَّذِي رَوَيْت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَثْبُتُ عِنْدَنَا. وَأَمَّا الَّذِي رَوَيْت عَنْ عُمَرَ فَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ حُجَّةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ, وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} مَعْنَيَانِ بَيِّنَانِ أَنَّ الْوَلاَءَ لاَ يَزُولُ عَمَّنْ أَعْتَقَ وَلاَ يَثْبُتُ إلَّا لِمُعْتِقٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} نَفْيٌ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لِغَيْرِ مُعْتِقٍ. وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت كَذَا فَقَدْ بَيَّنَ مَا أَرَادَ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ أَرَادَ غَيْرَهُ. وَكَذَلِكَ إنَّمَا وَقَعْت بِهَذَا الْمَعْنَى فَأَخَذْت بِأَحَدِ مَعْنَيَيْ الْحَدِيثِ وَتَرَكْت الثَّانِي. وَهَذَا لَيْسَ لَك وَلاَ لِأَحَدٍ مَعَ إنَّا وَإِيَّاكَ لاَ نَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الْوَلاَءَ نَسَبٌ مِنْ الْأَنْسَابِ لاَ يَزُولُ قَالَ: أَجَلْ قُلْت أَفَرَأَيْت رَجُلاً لاَ أَبَ لَهُ وَلاَ وَلاَءَ أَلَهُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى رَجُلٍ بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا قَالَ لاَ يَجُوزُ النَّسَبُ إلَّا بِفِرَاشٍ أَوْ فِي مَعْنَى فِرَاشٍ مِنْ الشَّبَهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِرَاشٌ وَلاَ مَعْنَى فِرَاشٍ وَذُكِرَا أَنَّهُمَا يَتَرَاضَيَانِ قُلْت وَذَلِكَ أَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ مِنْ الْفِرَاشِ وَنَفْيَهُ مِنْ الْفِرَاشِ لِلنَّافِي وَلِلْمَنْفِيِّ وَغَيْرِهِمَا سِيَّانِ فَيَكُونُ لِلْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ وَلِعَشِيرَتِهِ فِيهِ حَقٌّ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُمْ وَلَوْ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي مِيرَاثِهِ وَعَقْلِهِ. قَالَ: نَعَمْ قُلْت أَفَكَذَلِكَ تَجِدُ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ؟ قَالَ سَوَاءٌ قُلْت فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ هَذَا فِي الْمَوْلَى الْمُوَالِي فَلاَ تُثْبِتُهُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ لَهُ بِهِ الْحَقُّ عَشِيرَتُهُ مِمَّنْ وَالاَهُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ وَكَمَا لَمْ يَزُلْ عَنْهُمْ وَلاَءُ الْمُعْتَقِ أَوْ يَثْبُتُ لَهُمْ عَلَيْهِ مِيرَاثٌ فَلاَ تُعْطِيهِمْ وَلاَ تَمْنَعُ مِنْهُمْ إلَّا بِأَمْرٍ ثَابِتٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حُكْمًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ وَلَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ. قَالَ وَذَكَرْت لَهُ غَيْرَ هَذَا مِمَّا فِي هَذَا كِفَايَةٌ عَنْهُ قَالَ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِك مَنْ وَافَقَك فِي الَّذِي خَالَفْنَاك فِيهِ مِنْ اللَّقِيطِ وَالْمَوَالِي وَقَالَ فِيهِ قَوْلُك وَخَالَفَك فِي الَّذِي وَافَقْنَاك فِيهِ مِنْ السَّائِبَةِ وَالذِّمِّيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ قُلْت أَجَلْ وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِ كَهِيَ عَلَيْك أَوْ أَوْضَحُ لِأَنَّك قَدْ ذَهَبْت إلَى شُبْهَةٍ لاَ يَعْذُرُك بِهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَيَعْذُرُك بِهَا الْجَاهِلُ وَهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا إلَى شُبْهَةٍ يَعْذُرُ بِهَا جَاهِلٌ وَلاَ عَالِمٌ وَمُوَافَقَتُك حَيْثُ وَافَقْتنَا حُجَّةٌ عَلَيْك وَمُوَافَقَتُهُمْ حَيْثُ وَافَقُونَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَصْلٍ وَلاَ فَرْعٍ وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَ الْعَالِمِينَ وَالْجَاهِلِينَ بِأَنَّ الْعَالَمِينَ عَلِمُوا الْأُصُولَ فَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُتْبِعُوهَا الْفُرُوعَ فَإِذَا زَيَّلُوا بَيْنَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ فَأَخْرَجُوا الْفُرُوعَ مِنْ مَعَانِي الْأُصُولِ كَانُوا كَمَنْ قَالَ بِلاَ عِلْمٍ أَوْ أَقَلَّ عُذْرًا مِنْهُ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا مَا يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ عِلْمٍ بِهِ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ مَعًا, فَإِنْ قَالَ قَدْ يَغْبَوْنَ فِعْلَهُمْ قُلْت وَمَنْ غَبِيَ عَنْهُ مِثْلُ هَذَا الْوَاضِحِ كَانَ حَقُّهُ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُعَالِجَ الْفُتْيَا لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئَ فِيهِ أَحَدٌ لِوُضُوحِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} فَكَانَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} الآيَةَ. دَلاَلَةً عَلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ لاَ عَلَى مَا جَعَلْتُمْ وَكَانَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ لاَ يَنْفُذَ مَا جَعَلْتُمْ وَكَانَتْ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ مِنْ الْبَهَائِمِ الَّتِي لاَ يَقَعُ عَلَيْهَا عِتْقٌ وَكَانَ مَالِكُهَا أَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مِلْكِ آدَمِيٍّ مِثْلُهُ وَكَانَتْ الْأَمْوَالُ لاَ تَمْلِكُ شَيْئًا إنَّمَا يَمْلِكُ الْآدَمِيُّونَ كَانَ الْمَرْءُ إذَا أَخْرَجَ مِنْ مِلْكِهِ شَيْئًا إلَى غَيْرِ مَالِكٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ بِعَيْنِهِ أَوْ غَيْرِ عَيْنِهِ كَمَنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ مِلْكِهِ شَيْئًا وَكَانَ ثَابِتًا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ إخْرَاجِهِ وَكَانَ أَصْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكُلُّ مَنْ أَخْرَجَ مِنْ مِلْكِهِ شَيْئًا مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ غَيْرَ الْآدَمِيِّينَ فَقَالَ قَدْ أَعْتَقْت هَذَا أَوْ قَدْ قَطَعْت مِلْكِي عَنْ هَذَا أَوْ وَهَبْت هَذَا أَوْ بِعْته أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ مَنْ وَهَبَهُ لَهُ وَلاَ بَاعَهُ إيَّاهُ وَلاَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ بِعَيْنٍ وَلاَ صِفَةٍ كَانَ قَوْلُهُ بَاطِلاً وَكَانَ فِي مِلْكِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ مَا كَانَ حَيًّا بِحَالٍ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى آدَمِيٍّ يُعَيِّنُهُ أَوْ يَصِفُهُ حِين أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَلاَ يَكُونُ خَارِجًا مِنْ مِلْكِهِ إلَّا وَمَالِكٌ لَهُ مَكَانُهُ لاَ بَعْدَ ذَلِكَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَالسَّائِبَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ الْإِبِلِ كَالْبَحِيرَةِ وَهَكَذَا الرَّقِيقُ إذْ أَخْرَجَهُمْ مَالِكُهُمْ مِنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مِلْكٍ كَالْبَهَائِمِ وَالْمَتَاعِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُمْ بِعِتْقٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَإِنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ وَمَا كَانَ مِنْ سَبَبِ عِتْقٍ كَانَ مُخَالِفًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَتْ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْحَامُ نَذْرًا فَأَبْطَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَفِي هَذَا لِغَيْرِهِ دَلاَلَةٌ أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَا لاَ طَاعَةَ لِلَّهِ فِيهِ لَمْ يَبَرَّ نَذْرُهُ وَلَمْ يُكَفِّرْهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبْطَلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَةً وَالسُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَتْ بِمِثْلِ الَّذِي جَاءَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلاَ يَعْصِهِ} (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ} وَكَانَ الثَّقَفِيُّ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: {نَذَرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ انْقَلَبَتْ عَلَى نَاقَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَنْحَرَهَا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِكَفَّارَةٍ إذَا بَطَلَ النَّذْرُ وَالْمَعْصِيَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ تَنْحَرَ الْمَرْأَةُ نَاقَةَ غَيْرِهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا مِمَّا لاَ تَمْلِكُ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عِتْقُهُ, وَكَذَلِكَ أَنْ يُهْدِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ, وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا نَذَرَ أَنْ يَفْعَلَهُ مِمَّا لاَ طَاعَةَ فِي فِعْلِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلاَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ بِتَرْكِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِأَبِي إسْرَائِيلَ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الشَّمْسِ فَقَالَ مَا لَهُ؟ فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ لاَ يَسْتَظِلَّ وَلاَ يَقْعُدَ وَلاَ يُكَلِّمَ أَحَدًا وَيَصُومَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَظِلَّ وَيَقْعُدَ وَيُكَلِّمَ النَّاسَ وَيُتِمَّ صَوْمَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِكَفَّارَةٍ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَقَالَ قَائِلٌ فِي رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ نَفْسَهُ قَالَ يَذْبَحُ كَبْشًا وَقَالَ: آخَرُ يَنْحَرُ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَاحْتَجَّا فِيهِ مَعًا بِشَيْءٍ يُرْوَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ لِقَائِلِ هَذَا وَكَيْفَ يَكُونُ فِي مِثْلِ هَذَا كَفَّارَةٌ؟ فَقَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي الْمُتَظَاهِرِ: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا} وَأَمَرَ فِيهِ بِمَا رَأَيْت مِنْ الْكَفَّارَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا أَرَأَيْت إذَا كَانَ كِتَابُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ مَا جَعَلَ لاَ طَاعَةَ لِلَّهِ فِيهِ مِنْ الْبَحِيرَةِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِكَفَّارَةٍ وَكَانَتْ السُّنَنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ إبْطَالِ النَّذْرِ بِلاَ كَفَّارَةٍ وَكَانَ فِي قَوْلِهِ لاَ نَذْرَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ لاَ شَيْءَ إذَا كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ وَإِذَا كَانَ لاَ شَيْءَ كَانَ كَمَا لَمْ يَكُنْ. وَلَيْسَ فِي أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ قَالَ قَوْلاً يُوجَدُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفُ ذَلِكَ الْقَوْلِ حُجَّةٌ. قَالَ وَقُلْت لَهُ كَانَ مِنْ طَلاَقِ أَهْلِ الْجَاهِيَةِ الظِّهَارُ وَالْإِيلاَءُ فَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْإِيلاَءِ بِتَرَبُّصِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَفِيئُوا أَوْ يُطَلِّقُوا وَحَكَمَ فِي الظِّهَارِ بِكَفَّارَةٍ وَجَعَلَهَا مُؤَقَّتَةً وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَفَّارَةٍ إلَّا وَقْتَهَا وَوَقَّتَ مَنْ يُعْطَاهَا أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا ثُمَّ جَعَلَ الْكَفَّارَاتِ كَمَا شَاءَ فَجَعَلَ فِي الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ مَكَانَ عِتْقِ الرَّقَبَةِ صَوْمَ شَهْرَيْنِ وَزَادَ فِي الظِّهَارِ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَجَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ وَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ أَوْ تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ الصَّوْمَ ثَلاَثٌ وَالْإِطْعَامَ سِتَّةُ مَسَاكِينَ فَرْقًا مِنْ طَعَامٍ وَالنُّسُكَ شَاةٌ فَكَانَتْ الْكَفَّارَاتُ تَعَبُّدًا وَخَالَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهَا كَمَا شَاءَ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ أَفَتَجِدُ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ يُنْذِرُ أَنْ يَنْحَرَ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعْنَى بَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونَ مُؤَقَّتًا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَجِدُ بِأَنَّ مِائَةَ بَدَنَةٍ أَوْ كَبْشًا كَفَّارَةٌ لِشَيْءٍ إلَّا فِي الْمِثْلِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْكَبْشُ مَثَلاً, وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ وَالْجَدْيُ وَالْبَقَرَةُ مِنْ الصَّيْدِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ أَفَتَجِدُ الْكَبْشَ ثَمَنًا لِإِنْسَانٍ أَوْ كَفَّارَةٌ إلَّا وَهُوَ مِثْلُ مَا أُصِيبَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَمَّا رَأَيْت الظِّهَارَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَجَعَلَ فِيهِ كَفَّارَاتٍ قِسْت الْمُنْكَرَ وَالزُّورَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَجَعَلْت فِيهِ كَفَّارَةً قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ شَهِدَ بِزُورٍ أَيَكْفُرُ؟ وَمَا تَقُولُ فِيمَنْ أَرْبَى فِي الْبَيْعِ أَوْ بَاعَ حَرَامًا أَيَكْفُرُ؟ وَمَا تَقُولُ فِيمَنْ ظَلَمَ مُسْلِمًا أَيَكْفُرُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ فَهَذَا خِلاَفُ مَا لَقِينَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ قَدْ تَرَكْت أَصْلَ مَذْهَبِك وَقَوْلِك فَإِذَا جَعَلْته قِيَاسًا فَيَلْزَمُك أَنْ تَقِيسَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ تَجْعَلَ فِيهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا تَجْعَلُ فِي الَّذِي قِسْته وَأَنْتَ لَمْ تَجْعَلْهُ أَصْلاً وَلاَ قِيَاسًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَاجْعَلْهُ أَصْلاً الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ فَأَيُّهَا الْأَصْلُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَةٌ بِإِبْطَالِهِ كَمَا وَصَفْنَا وَلاَ حُجَّةَ مَعَ السُّنَّةِ.
(قَالَ الرَّبِيعُ) مِنْ هَا هُنَا أَمْلَى عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى هَذَا الْكِتَابَ شَهِدَ شُهُودُ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ فُلاَنَ ابْنَ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيَّ وَفُلاَنَةَ بِنْتَ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيَّةِ أَشْهَدَاهُمْ فِي صِحَّةٍ مِنْ أَبْدَانِهِمَا وَعُقُولِهِمَا وَجَوَازٍ مِنْ أُمُورِهِمَا وَذَلِكَ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا أَنَّ فُلاَنَ ابْنَ فُلاَنٍ الزَّوْجَ مَلَكَ عُقْدَةَ نِكَاحِ فُلاَنَةَ بِنْتَ فُلاَنٍ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا مِنْ وُلاَتِهَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيُّ الَّذِي زَوَّجَهَا وَكَانَ مِنْ شُهُودِ هَذِهِ الْعُقْدَةِ فُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ وَفُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ وَكَانَ الصَّدَاقُ كَذَا وَكَذَا وَمِنْ شُهُودِهِ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَأَنَّ الزَّوْجَ فُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ وَفُلاَنَةُ بِنْتُ فُلاَنٍ تَصَادَقَا وَأَقَرَّا عِنْدَ شُهُودِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُمَا قَدْ أَثْبَتَا أَنَّ هَذِهِ الْعُقْدَةَ مِنْ النِّكَاحِ الَّذِي وَصَفْت فِي هَذَا الْكِتَابِ وَشُهُودَهَا وَشُهُودَ مَهْرِهَا كَانَتْ يَوْمَ وَقَعَتْ وَفُلاَنَةُ فِي عِدَّةٍ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْهُ فَكَانَ نِكَاحُهَا مَفْسُوخًا فَلاَ نِكَاحَ بَيْنَ فُلاَنٍ وَفُلاَنَةَ حَتَّى يُجَدِّدَا نِكَاحًا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ فُلاَنَةَ وَلاَ تَبَاعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي صَدَاقٍ وَلاَ نَفَقَةٍ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيُّ فِي صِحَّةٍ مِنْ بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ وَجَوَازٍ مِنْ أَمْرِهِ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا لِمَمْلُوكِهِ الْمُوَلَّدِ الَّذِي يُدْعَى فُلاَنَ ابْنَ فُلاَنٍ أَنِّي أَعْتَقْتُك رَجَاءَ رِضَا اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَطَلَبَ ثَوَابِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ لاَ سَبِيلَ لِي وَلاَ لِأَحَدٍ فِي رِقٍّ عَلَيْك وَلِي وَلِعَقِبِي وَلاَؤُك وَوَلاَءُ عَقِبِك بَعْدَك شَهِدَ وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا وَصَفَهُ بِصِفَتِهِ وَصِنَاعَتِهِ وَإِنْ كَانَ خَصِيًّا كَتَبَ هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيُّ فِي صِحَّةٍ مِنْ بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا لِمَمْلُوكِهِ الْخَصِيِّ الَّذِي يُدْعَى فُلاَنًا وَيَصِفُهُ بِجِنْسِهِ وَهَيْئَتِهِ إنِّي أَعْتَقْتُك وَأَخْرَجْتُك مِنْ مَالِي وَمِنْ مِلْكِي رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَرْضَاتِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ لاَ سَبِيلَ لِي وَلاَ لِأَحَدٍ فِي رِقٍّ عَلَيْك وَلِي وَلاَؤُك وَلِعَقِبِي مِنْ بَعْدِي شَهِدَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ لَهُ عَقِبٌ, وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةٌ كَتَبْت لَهَا كَمَا كَتَبْت لِلْخَصِيِّ وَإِنْ كَانَ وَلاَءُ عَقِبِهَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْمَمْلُوكِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ وَلِي وَلاَؤُك وَوَلاَءُ عَقِبِك مِنْ بَعْدِك وَقَدْ لاَ يَكُونُ لَهُ وَلاَءُ عَقِبِهَا إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ هَذَا فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَهُ وَلاَءُ عَقِبِهِ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ هَذَا فِي الرَّجُلِ كَانَ لَهُ وَكَذَلِكَ يَكُونُ لَهُ فِي الْجَارِيَةِ مِنْ الْمَمْلُوكِ فَإِنْ شَحَّ عَلَى هَذَا فَأُحِبُّ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا يَجُوزُ مِنْهُ فِي قَوْلِ كُلِّ أَحَدٍ كَتَبَ هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيُّ فِي صِحَّةٍ مِنْ بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ وَجَوَازٍ مِنْ أَمْرِهِ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا لِمَمْلُوكَتِهِ فُلاَنَةَ بِنْتِ فُلاَنٍ وَيَصِفُهَا إنِّي أَعْتَقْتُك طَلَبَ ثَوَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَلاَ سَبِيلَ لِي وَلاَ لِأَحَدٍ فِي رِقٍّ عَلَيْك وَلِي وَلِعَقِبِي مِنْ بَعْدِي وَلاَؤُك وَوَلاَءُ كُلِّ عَقِبٍ كَانَ لَك مِنْ مَمْلُوكٍ " قَالَ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا وَلَدَتْ مِنْ مَمْلُوكٍ ثُمَّ عَتَقَ جَرَّ الْوَلاَءُ وَبِهَذَا نَقُولُ وَقَالَ غَيْرُنَا الْوَلاَءُ ثَابِتٌ لِأَهْلِ الْأُمِّ وَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ لاَ يَزِيدَ فِي الْكِتَابِ عَلَى الْأُمِّ عَلَى مَا وَصَفْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: " هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلاَنُ بْن فُلاَنٍ الْفُلاَنِيُّ: إنِّي آجَرْتُك الدَّارَ الَّتِي بِالْفُسْطَاطِ مِنْ مِصْرَ فِي مَوْضِعِ كَذَا مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا أَحَدُ حُدُودِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي أَجَرْتُك يَنْتَهِي إلَى كَذَا وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ أَجَرْتُك جَمِيعَ هَذِهِ الدَّارَ بِأَرْضِهَا وَبِنَائِهَا وَمَرَافِقِهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا أَوَّلُ هَذِهِ الشُّهُورِ الْمُحَرَّمُ مِنْ سَنَةِ كَذَا وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ كَذَا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا صِحَاحًا مَثَاقِيلَ خَلْقَانِ جِيَادًا وَازِنَةً أَفْرَادًا وَدُفِعَتْ إلَيَّ هَذِهِ الدَّنَانِيرُ كُلُّهَا وَافِيَةً وَبَرِئْت إلَيَّ مِنْهَا وَدَفَعْت إلَيْك هَذِهِ الدَّارَ الْمَوْصُوفَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي هِلاَلِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ كَذَا بَعْدَمَا عَرَفْت أَنَا وَأَنْتَ جَمِيعَ مَا فِيهَا وَلَهَا مِنْ بِنَاءٍ وَمَرَافِقَ وَوَقَفْنَا عَلَيْهِ فَهِيَ بِيَدِك بِهَذَا الْكِرَاءِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ هَذِهِ الْمُدَّةُ تَسْكُنُهَا بِنَفْسِك وَأَهْلِك وَغَيْرِهِمْ وَتُسْكِنُهَا مَنْ شِئْت وَلَيْسَ لَك أَنْ تُسْكِنَهَا رَحَا دَابَّةٍ وَلاَ عَمَلَ حَدَّادٍ وَلاَ قَصَّارٍ وَلاَ سُكْنَى تَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَلاَ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ وَلَك الْمَعْرُوفُ مِنْ سَكَنِ النَّاسِ وَاسْتَأْجَرْتُك أَنْ تُخْرِجَ جَمِيعَ مَا فِي ثَلاَثَةِ آبَارٍ مُغْتَسَلاَتٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا مِنْ الدَّارِ وَالْبِئْرُ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَالْبِئْرُ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا بَعْدَمَا رَأَيْت أَنَا وَأَنْتَ تِلْكَ الْآبَارَ وَعَرَفْنَا أَنَّ طُولَ الْبِئْرِ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا ذَاهِبَةٌ فِي الْأَرْضِ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهَا ثَلاَثَةُ أَذْرُعٍ مَمْدُودَةٍ وَأَنَّ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ مَحَلُّ مُجْتَمَعِ آبَارٍ مُغْتَسَلاَتٍ مِنْ خَلاَءٍ وَمَاءٍ وَشَيْءٍ إنْ خَالَطَهُ عَبْرَةُ ثَمَانِ أَذْرُعٍ وَأَنَّ فِي الْبِئْرِ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا وَتَصِفُهُ كَمَا وَصَفْت هَذَا وَفِي الْبِئْرِ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَتُخْرِجُ جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ الْآبَارِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْهَا وَتُنَحِّي عَنْ دَارِي حَتَّى تُوفِيَنِيهَا أَرْضًا لاَ شَيْءَ فِيهَا مِمَّا فِي آبَارِ الْمُغْتَسِلاَتِ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَازِنَةً وَجِيَادًا وَدَفَعْتهَا إلَيْك وَبَرِئْت إلَيْك مِنْهَا وَضَمِنْت لِي مَا وَصَفْت فِي هَذَا الْكِتَابِ حَتَّى تُوفِيَنِيهَا كَمَا ضَمِنْت لِي فِي انْسِلاَخِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ كَذَا وَكَذَا شَهِدَ " وَإِنْ خِفْت أَنْ يَنْتَقِضَ الْكِرَاءُ فَإِنَّ الْعِرَاقِيِّينَ يَنْقُضُونَهُ بِالْعَدَدِ فَإِذَا أَجَرْته سَنَةً كَتَبْت " أَجَرْته سَنَةً أَوَّلُهَا شَهْرُ كَذَا وَآخِرُهَا شَهْرُ كَذَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا مِنْهَا شَهْرُ كَذَا أَوَّلُ الشُّهُورِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَتُسَمِّيهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ " وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
بَابٌ إذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ شِرَاءَ عَبْدٍ هَذَا مَا اشْتَرَى فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيُّ مِنْ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيِّ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ صَحِيحَا الْأَبْدَانِ لاَ عِلَّةَ بِهِمَا مِنْ مَرَضٍ وَلاَ غَيْرِهِ جَائِزَا الْأَمْرِ فِي أَمْوَالِهِمَا وَذَلِكَ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا اشْتَرَى مِنْهُ غُلاَمًا مَرْبُوعًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ جَعْدًا أَعَيْنَ أَفْرَقَ الثَّنَايَا أَزَجَّ حُلْوًا يُسَمَّى فُلاَنًا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا خَلْقَانَ وَازِنَةً أَفْرَادًا بَعْدَمَا عَرَفَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ هَذَا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ وَرَأَيَاهُ مَعًا وَقَبَضَ فُلاَنٌ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ فُلاَنٍ وَقَبَضَ فُلاَنٌ هَذَا الثَّمَنَ مِنْ فُلاَنٍ وَافَيَا بَعْدَمَا تَبَايَعَا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ حَتَّى غَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ بَعْدَ التَّرَاضِي مِنْهُمَا جَمِيعًا بِالْبَيْعِ وَلِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ فِي هَذَا الْعَبْدِ بَيْعُ الْإِسْلاَمِ وَعُهْدَتِهِ لاَ دَاءٌ وَلاَ غَائِلَةٌ وَلاَ عَيْبٌ ظَاهِرٌ وَلاَ بَاطِنٌ وَلاَ شَيْنٌ فَمَا أَدْرَكَ فُلاَنًا فِي هَذَا الْعَبْدِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ مِنْ تَبَاعَةٍ فَعَلَى فُلاَنٍ خَلاَصُ ذَلِكَ لِفُلاَنٍ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لَهُ كَمَا بَاعَهُ إيَّاهُ أَوْ يَرُدَّ إلَيْهِ ثَمَنَهُ الَّذِي قَبَضَ مِنْهُ وَافِيًا وَهُوَ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا جِيَادًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ. شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ, وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَعْيَانِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ. شِرَاءُ عَبْدٍ آخَرَ هَذَا مَا اشْتَرَى فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيُّ مِنْ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيِّ اشْتَرَى مِنْهُ غُلاَمًا أَمْرَدَ بَرْبَرِيًّا مَرْبُوعًا حَسَنَ الْجِسْمِ جَعْدًا أَفْرَقَ الثَّنَايَا أَعَيْنَ أَزَجَّ حُلْوًا يُدْعَى فُلاَنًا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ جِيَادًا وَدَفَعَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ هَذَا الْعَبْدَ الْمَوْصُوفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إلَى فُلاَنٍ وَقَبَضَهُ فُلاَنٌ مِنْهُ وَدَفَعَ فُلاَنٌ إلَى فُلاَنٍ هَذَا الثَّمَنَ الْمَوْصُوفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ وَتَفَرَّقَا بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا وَتَقَابُضِهِمَا وَمَعْرِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا بَاعَ وَاشْتَرَى شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا وَأَنَّهُمَا صَحِيحَا الْعَقْلِ وَالْأَبْدَانِ جَائِزَا الْأَمْرِ يَوْمَ تَبَايَعَا هَذَا الْعَبْدِ وَأَشْهَدَاهُمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا أَقَلُّ مَا أَعْرِفُهُ بَيِّنًا مِنْ كُتُبِ الْعُهْدَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَمَنْ اشْتَرَى فَلَهُ عُهْدَةُ الْإِسْلاَمِ وَلَيْسَ لَهُ شَيْنٌ وَلاَ عَيْبٌ وَلاَ دَاءٌ وَلاَ شَيْءٌ يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ قَلِيلٌ وَلاَ كَثِيرٌ وَلَهُ الْخَلاَصُ أَوْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ وَافِيًا وَسَوَاءٌ شَرَطَ هَذَا أَوْ لَمْ يَشْرُطْهُ إنَّمَا الشَّرْطُ احْتِيَاطًا لِجَهَالَةِ الْحُكَّامِ وَلَوْ تَرَكَ أَيْضًا إشْهَادَهُمَا بِصِحَّتِهِمَا فِي أَبْدَانِهِمَا وَعُقُولِهِمَا وَإِجَازَةِ أُمُورِهِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا كَانَ هَذَا عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَعْلَمَ غَيْرَهَا وَلَيْسَ مِمَّا يُحِبُّ تَرْكُهُ وَلَوْ تَرَكَ وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا جَمِيعًا مَا ضَرُّهُ لِأَنَّهُمَا إذَا جَاءَا بَعْدَ الْبَيْعِ بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ فَقَدْ تَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ تَامٌّ عَلَى التَّرَاضِي حَتَّى يَنْقُضَاهُ وَلَوْ تَرَكَ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ مَا ضَرَّهُ إذَا كَتَبَ دَفَعَ وَلَوْ تَرَكَ التَّارِيخَ فِي الْبَيْعِ مَا ضَرَّهُ غَيْرَ أَنِّي لاَ أُحِبُّ فِي كِتَابِ الْعُهْدَةِ شَيْئًا تَرْكُهُ احْتِيَاطًا لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَعًا وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي كِتَابِ الْعُهْدَةِ ذِكْرُ صِفَةِ الْمُشْتَرِي وَذِكْرُ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُمَا ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ كُلُّ شَرْطٍ سَمَّيْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْهُ. وَهَكَذَا يُكْتَبُ شِرَاءُ الْأَمَةِ وَسَوَاءٌ صَغِيرُ الْعَبِيدِ وَإِمَائِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَسَبْيِهِمْ وَمُوَلَّدِهِمْ يُوصَفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجِنْسِهِ وَحِلْيَتِهِ وَيُقَالُ مَوْلِدٌ إنْ كَانَ مُوَلَّدًا وَهَكَذَا فِي شِرَاءِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ عِرَابِهَا وَهُجْنِهَا وَبَرَاذِينِهَا وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ وَيَصِفُ الْفَرَسَ بِشِيَتِهِ وَيُقَالُ اشْتَرَى مِنْهُ فَرَسًا كُمَيْتًا أَحْمَرَ أَغَرَّ سَائِلَ الْغُرَّةِ مُحَجَّلاً إلَى الرُّكَبِ مَرْبُوعًا وَثِيقَ الْخَلْقِ نَهْدَ الْمُشَاشِ حَدِيدَ الْأَسَاطِينِ مُسْتَدِيرَ الْكِفْلِ مُشْرِقَ الْهَادِي مَحْسُومَ الْأُذُنِ رُبَاعَ جَانِبٍ وَقَارِحَ جَانِبِهِ الْآخَرِ مِنْ الْخَيْلِ الَّتِي تُعْرَفُ بِبَنِي فُلاَنٍ مِنْ نِتَاجِ بَلْدَةِ كَذَا " ثُمَّ يَسُوقُ الْكِتَابَ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْفَرَسِ وَالتَّفَرُّقِ بَعْدَ الْبَيْعِ عَنْ تَرَاضٍ كَمَا وَصَفْت فِي شِرَاءِ الْعَبِيدِ وَالْعُهْدَةُ كَمَا وَصَفْت فِي شِرَاءِ الْعَبِيدِ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى مِنْهُ بَعِيرًا كَتَبَ " اشْتَرَى مِنْهُ بَعِيرًا مِنْ النَّعَمِ الَّتِي تُعْرَفُ بِبَنِي فُلاَنٍ أَصْهَبَ جَسِيمًا بَازِلاً عَلَيْهِ عَلَمُ بَنِي فُلاَنٍ مَوْضِعَ كَذَا وَثِيقَ الْخَلْقِ أَهْدَلَ الْمِشْفَرِ دَقِيقَ الْخَطْمِ ضَخْمَ الْهَامَةِ. " وَإِنْ كَانَ لَهُ صِفَةٌ غَيْرُ هَذَا بُيِّنَتْ صِفَتُهُ ثُمَّ تَسُوقُ الْكِتَابَ كَمَا سُقْته فِي الْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَإِنَّمَا قُلْت مِنْ النَّعَمِ الَّتِي تُعْرَفُ بِبَنِي فُلاَنٍ وَلَمْ أَقُلْ مِنْ نَعَمِ بَنِي فُلاَنٍ احْتِرَاسًا مِنْ تَبَاعَةِ بَنِي فُلاَنٍ وَاحْتِيَاطًا عَلَى الْحَاكِمِ وَكِتَابُ كُلِّ مَا بِيعَ مِنْ الْحَيَوَانِ كَكِتَابِ الْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْمُشْتَرِي يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ فِي النِّصْفِ الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ وَلَوْ طَلَبَ الَّذِي لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ الشُّفْعَةَ فِي الْعَبْدِ لَمْ أَرَ لَهُ فِيهِ شُفْعَةً فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ لاَ تَجْعَلُ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ قِيَاسًا عَلَى الشُّفْعَةِ فِي الْأَرَضِينَ قِيلَ لَهُ لَمَّا وَجَدْنَا الْمُسْلِمِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِي أَنْ أَكُونَ مَالِكًا مَعَك وَلاَ يَكُونُ لَك إخْرَاجِي مِنْ مِلْكِي بِقِيمَةِ مِلْكِي وَلاَ بِأَكْثَرَ وَلاَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَلاَ لِي ذَلِكَ عَلَيْك وَتَمُوتُ فَيَرِثُك وَلَدُك أَوْ غَيْرُهُمْ فَلاَ يَكُونُ لِي إخْرَاجُهُمْ مِنْ حُقُوقِهِمْ الَّتِي مَلَكُوهَا عَنْك بِشَيْءٍ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ إخْرَاجِي بِشَيْءٍ وَتَهَبُ نَصِيبَك فَلاَ يَكُونُ إلَى إخْرَاجِ مَنْ وَهَبْت لَهُ مِنْ نَصِيبِك الَّذِي مُلِكَ عَنْك بِشَيْءٍ إلَّا بِرِضَاهُ وَقَالُوا ذَلِكَ فِي كُلِّ مِلْكٍ مَلَكَهُ رَجُلٌ عَنْ آخَرَ بِغَيْرِ الشِّرَاءِ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُ لَمْ يَسْتَثْنُوا أَرْضًا وَلاَ غَيْرَهُ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ} دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلاَلَةً بَيِّنَةً عَلَى أَنْ لاَ شُفْعَةَ فِيمَا لاَ يُقْسَمُ وَلاَ يُقْسَمُ شَيْءٌ بِذَرْعِ وَقِيمَةٍ وَيُحَدَّدُ الْأُصُولُ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ عَلَيْهَا فَاقْتَصَرْنَا بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَمَا لَهُ أَرْضٌ خَاصَّةً فَكَانَ الْعَبِيدُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ مَا جَاوَزَ الْأَرَضِينَ وَمَا لَهُ أَرْضٌ مِنْ غِرَاسٍ وَبِنَاءٍ خَارِجًا مِنْ السُّنَّةِ فِي الشُّفْعَةِ مَرْدُودًا عَلَى الْأَصْلِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا عَنْ غَيْرِهِ تَمَّ لَهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهُ, وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) رحمه الله تعالى: الَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ أَنَّ مَنْ بَاعَ حَيَوَانًا بِالْبَرَاءَةِ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ إلَّا عَيْبًا كَتَمَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ عَلِمَهُ كَمَا قَضَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه فَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ عَيْبًا فَكَتَمَهُ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ بِالْعَيْبِ فَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ وَقَدْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ مَا عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ وَقَدْ خَالَفَنَا فِي هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ فَمَنْ أَرَادَ الْأَخْذَ بِقَوْلِنَا كَتَبَ أَوْ يَكْتُبُ وَدَفَعَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ إلَى فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ الْعَبْدَ الْمَوْصُوفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَقَبَضَهُ فُلاَنٌ بَعْدَمَا تَبَرَّأَ إلَيْهِ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ فِيهِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لاَ يَسْتَأْنِفَ كِتَابَ وَثِيقَةٍ إلَّا عَلَى مَا يُجِيزُهُ جَمِيعُ الْحُكَّامِ إذَا وَجَدَ السَّبِيلَ إلَيْهَا وَقَدْ كَانَ مِنْ الْحُكَّامِ مِنْ يُجِيزُ أَنْ يَقُولَ وَبَرِئَ إلَيْهِ فُلاَنٌ مِنْ مِائَةِ عَيْبٍ بِهَذَا الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى وَبَرَّأْته مِنْ مِائَةِ عَيْبٍ فَإِنْ زَادَتْ رَدَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ فَقَدْ أَبْرَأَهُ مِنْ أَكْثَرَ مِمَّا وُجِدَ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ بِعَيْبٍ دُونَ الْمِائَةِ. وَمِنْ الْحُكَّامِ مَنْ لاَ يُجِيزُ التَّبَرُّؤَ مِنْ عَيْبٍ كُتِمَ وَلاَ عُلِمَ وَلَوْ سَمَّى لَهُ عَدَدًا فَوَجَدَ بِهِ ذَلِكَ الْعَدَدَ أَوْ أَقَلَّ أَبَدًا إلَّا بِعَيْبٍ يُرِيهِ إيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَآهُ وَعَرَفَهُ وَمَنْ أَوْثَقَ هَذَا أَنْ يَكْتُبَ وَبَرِئَ فُلاَنٌ إلَى فُلاَنٍ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَيَصِفُهُ إمَّا كَيٌّ وَإِمَّا أَثَرُ جُرْحٍ وَإِمَّا نَقْصٌ مِنْ خَلْقٍ وَإِمَّا زِيَادَةٌ فِيهِ وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ فَيَصِفُهُ بِعَيْنِهِ وَمَوْضِعِهِ ثُمَّ يَكْتُبُ وَمِنْ كَذَا وَكَذَا عَيْبًا وَقَفَهُ عَلَيْهَا قَدْ رَآهَا فُلاَنٌ وَبَرَّأَهُ مِنْهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا وَلَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ عَيْبٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ كَانَ هَذَا الْعَيْبُ عِنْدَك. وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ حَدَثَ عِنْدَك, فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا لاَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ مِثْلَ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُخْلَقُ مَعَ الْإِنْسَانِ أَوْ الْأَثَرِ لاَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَبَايَعَا فِيهَا فَالْعَبْدُ مَرْدُودٌ عَلَى الْبَائِعِ بِلاَ يَمِينٍ إذَا قَالَ رَجُلاَنِ عَدْلاَنِ مِنْ أَهْلِ الصِّنَاعَةِ الَّتِي فِيهَا الْعَيْبُ هَذَا عَيْبٌ لاَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْدُثُ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَيْبُ فَالشِّرَاءُ تَامٌّ وَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ نَقْضَهُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ الْمُشْتَرِي بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ إمَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الْبَائِعِ وَإِمَّا بِأَنْ رَآهُ الشَّاهِدَانِ فِي الْعَبْدِ فَيَرُدُّ بِلاَ يَمِينٍ وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ بِالْعَبْدِ وَادَّعَى الْبَائِعُ التَّبَرُّؤَ مِنْ الْعَيْبِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَلاَ يُصَدَّقُ الْبَائِعُ عَلَى أَنَّهُ تَبَرَّأَ إلَيْهِ وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ هُوَ جَاءَ بِهَا وَإِلَّا حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَرَدَّ عَلَيْهِ وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ أَنْ يَدَّعِيَ لَهُ رَجُلاَنِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ فَإِذَا قَالاَ هَذَا عَيْبٌ يُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُشْتَرَى مَا كَانَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ عَيْبٌ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ بِهِ أَوْ قَبْضِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ وَإِجَازَةِ الْبَيْعِ وَمَتَى اخْتَارَ الْبَيْعَ بَعْدَ الْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ غَيْرَ الْعَيْبِ الَّذِي اخْتَارَ وَحَبَسَ الْمَبِيعَ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ رَدُّ الْعَبْدِ بِالْعَيْبِ الَّذِي ظَهَرَ عَلَيْهِ وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا قَدْ دُلِّسَ فِيهِ بِعَيْبٍ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى حَدَثَ عِنْدَهُ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَقُوِّمَ الْعَبْدُ صَحِيحًا وَمَعِيبًا ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ مَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْعَيْبِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَقِيمَتُهُ صَحِيحًا مِائَةٌ وَمَعِيبًا بِتِسْعِينَ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَهُوَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ إيَّاهُ بِالْقِيمَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِمِائَةٍ وَهُوَ ثَمَنُهُ خَمْسِينَ فَقُوِّمَ فَوُجِدَ الْعَيْبُ نَقَصَهُ الْعُشْرَ وَذَلِكَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِأَنَّهَا أَصْلُ الثَّمَنِ وَلَسْت أَلْتَفِتُ إلَى قِيمَتِهِ فِيمَا يَتَرَاجَعَانِ فِيهِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ لِأَعْرِفَ كَمْ قَدْرُ الْعَيْبِ مِنْهَا أَعُشْرًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَآخُذُ الْعُشْرَ مِنْ أَصْلِ الثَّمَنِ لاَ مِنْ الْقِيمَةِ. وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ مَعِيبًا لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الَّذِي يَحْدُثُ عِنْدَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ الْعَيْبِ وَيُقَالُ إنْ شِئْت فَتَطَوَّعْ بِأَخْذِ الْعَبْدِ مَعِيبًا لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَك صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ لَك فِيمَا دَلَّسَ لَك أَنْ تَرُدَّ إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ الْعَبْدَ وَلاَ تَرْجِعْ فِي الْعَيْبِ بِشَيْءٍ وَلَوْ دَلَّسَ لَهُ بِعَيْبٍ فِي أَمَةٍ فَأَصَابَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ وَطْؤُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الْخِدْمَةِ وَالْخَرَاجِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَقَصَهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَهُ فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ كَانَ أَعْتَقَهَا فِي هَذَا كُلِّهِ أَوْ أَحْبَلَهَا فَهَذَا فَوْتٌ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ عِنْدَهُ فَإِذَا اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ شِرَاءً كَتَبَ " هَذَا مَا اشْتَرَى فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ مِنْ فُلاَنٍ اشْتَرَى مِنْهُ نِصْفَ عَبْدٍ فَرَّانِي مُحْتَلِمٍ ضَخْمِ الْهَامَةِ عَبْلِ الْعِظَامِ مَرْبُوعِ الْقَامَةِ حَسَنِ الْجِسْمِ حَالِكِ السَّوَادِ يُدْعَى فُلاَنًا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا جِيَادًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ وَذَلِكَ بَعْدَمَا عَرَفَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ وَفُلاَنٌ هَذَا الْعَبْدُ الَّذِي تَبَايَعَا نِصْفَهُ وَرَأَيَاهُ وَتَبَايَعَا فِيهِ وَتَفَرَّقَا عَنْ مَوْضِعِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ حَتَّى غَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالتَّرَاضِي مِنْهُمَا جَمِيعًا وَدَفَعَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ إلَى فُلاَنٍ نِصْفَ هَذَا الْعَبْدِ الْمَوْصُوفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَقَبَضَهُ فُلاَنٌ كَمَا يَقْبِضُ مِثْلَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا أَحْضَرَا هَذَا الْعَبْدَ الْمَبِيعَ نِصْفُهُ وَسَلَّمَ لَهُ النِّصْفَ يَقُومُ فِيهِ مَقَامَ فُلاَنٍ الْبَائِعَ لاَ حَائِلَ لَهُ دُونَ نِصْفِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ فُلاَنٌ الثَّمَنَ وَافِيًا وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ وَلِفُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ بْنِ فُلاَنٍ بَيْعُ الْإِسْلاَمِ وَعُهْدَتِهِ لاَ دَاءَ وَلاَ غَائِلَةَ وَلاَ شَيْنَ وَلاَ عَيْبَ ظَاهِرٌ وَلاَ بَاطِنٌ فِي الْعَبْدِ الَّذِي ابْتَاعَ نِصْفَهُ فَمَا أَدْرَكَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ مِنْ دَرْكٍ فِي نِصْفِ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْ فُلاَنٍ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَى فُلاَنٍ خَلاَصُهُ أَوْ يَرُدُّ إلَيْهِ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَ مِنْهُ وَافِيًا وَهُوَ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا مَثَاقِيلَ جِيَادًا أَفْرَادًا خَلْقَانِ وَازِنَةً شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا وَأَنَّهُمَا يَوْمَ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ صَحِيحَانِ لاَ عِلَّةَ بِهِمَا مِنْ مَرَضٍ وَلاَ غَيْرِهِ جَائِزًا الْأَمْرُ فِي أَمْوَالِهِمَا وَذَلِكَ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا. " وَهَكَذَا شِرَاءُ ثُلُثُ عَبْدٍ كُفُوًا وَثُلُثُ أَمَةٍ أَطَوْعُهُمْ وَدَابَّةٌ وَغَيْرُهَا فَإِذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْعَبْدِ رَدَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اشْتَرَى إلَّا عُشْرَهُ لِأَنَّ لِلْعُشْرِ نَصِيبًا مِنْ الْعَيْبِ وَهُوَ فِي الْعَيْبِ مِثْلُ الْعَبْدِ لاَ يَخْتَلِفَانِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ مِنْهُ شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي أَخْذِ مَا يَبْقَى مِنْ الْعَبْدِ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ رَدِّهِ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعَبْدَ كَمَا بِيعَ " قَالَ الرَّبِيعُ " رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ وَقَالَ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ شَيْئًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ حَلاَلاً وَحَرَامًا فَكَانَ الْبَيْعُ مُنْفَسِخًا وَلاَ يَثْبُتُ. (قَالَ) وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ مِنْ رَجُلٍ فَاسْتَحَقَّ عَلَى الَّذِي لَمْ يَبِعْ نِصْفَهُ فِيهِ بِحَالِهِ فَفِي هَذَا مَا يُخَالِفُ نِصْفَ الْعَبْدِ وَفِيمَا كَانَ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ شِرَاءَهُمَا كَتَبَ " هَذَا مَا اشْتَرَى فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ مِنْ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ أَحَدُهُمَا نُوبِيٌّ أَسْوَدُ وَصِيفٌ خُمَاسِيٌّ حُلْوٌ جَعْدٌ رَجْلٌ مُعْتَدِلٌ حَسَنُ الْقَوَامِ خَفِيفُ الْجِسْمِ مُتَرَاصِفُ الْأَسْنَانِ مَسْنُونُ الْوَجْهِ وَالْآخَرُ فَرَّانِي غَلِيظٌ مَرْبُوعٌ حَالِكُ السَّوَادِ بَعِيدُ مَا بَيْن الْمَنْكِبَيْنِ مُعْتَدِلٌ جَعْدٌ قَطَطٌ حَسَنُ الْجِسْمِ أَفْلَجُ الثَّنَايَا مِنْ أَعْلَى فِيهِ مُحْتَلِمٌ اشْتَرَى فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الْمَوْصُوفَيْنِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا جِيَادًا مَثَاقِيلَ أَفْرَادًا خَلْقَانِ وَازِنَةً وَتَبَايَعَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ وَفُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ فِي الْعَبْدَيْنِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِمَا وَمُعَايَنَتِهِمَا وَقَبَضَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الْمَوْصُوفَيْنِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَقَبَضَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ هَذَا الثَّمَنَ وَافِيًا وَتَفَرَّقَا حَتَّى غَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بَعْدَ التَّرَاضِي مِنْهُمَا جَمِيعًا بِالْبَيْعِ وَتَقَابُضِهِمَا وَلِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ بَيْعُ الْإِسْلاَمِ وَعُهْدَتُهُ لاَ دَاءَ وَلاَ غَائِلَةَ وَلاَ عَيْبَ ظَاهِرٌ وَلاَ بَاطِنٌ فَمَا أَدْرَكَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ فِي هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دَرْكٍ فَعَلَى فُلاَنٍ خَلاَصُهُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لَهُ كَمَا بَاعَهُ أَوْ يَرُدَّ إلَيْهِ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَ مِنْهُ وَافِيًا وَهُوَ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا ". وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَأَمَةً أَوْ ثَلاَثَةَ أَعْبُدٍ أَوْ أَكْثَرَ مَوْصُوفٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرَى يَصِفُهُ كَمَا وَصَفْت وَيَصِفُ الثَّمَنَ كَمَا وَصَفْت وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَدَارًا وَمَا جَمَعَتْهُ الصَّفْقَةُ يَكْتُبُ عُهْدَتَهُ وَيَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ بِصِفَتِهِ فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَأَمَةً فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ عُهْدَتَهُمْ وَيَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَمَنًا مَعْلُومًا كَتَبَ " هَذَا مَا اشْتَرَى فُلاَنٌ مِنْ فُلاَنٍ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا وَعَبْدًا مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا وَأَمَةً مِنْ صِفَتِهَا كَذَا كَذَا اشْتَرَى مِنْهُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ وَالْأَمَةَ الْمَوْصُوفَيْنِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَثَمَنُ الْعَبْدِ الْفَارِسِيِّ مِنْ هَذِهِ الْمِائَةِ الدِّينَارِ ثَلاَثُونَ دِينَارًا وَثَمَنُ الْعَبْدِ النُّوبِيّ مِنْ هَذِهِ الْمِائَةِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَثَمَنُ الْأَمَةِ مِنْ هَذِهِ الْمِائَةِ خَمْسُونَ دِينَارًا تَبَايَعَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ هَؤُلاَءِ الرَّقِيقَ الثَّلاَثَةَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبَضَ فُلاَنٌ جَمِيعَ ثَمَنِهِمْ وَافِيًا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا جَمِيعًا بِهِ فَمَا أَدْرَكَ فُلاَنٌ فِيمَا اشْتَرَى مِنْ فُلاَنٍ أَوْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَعَلَى فُلاَنٍ خَلاَصُهُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لَهُ أَوْ يَرُدَّ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَافِيًا وَهُوَ مِائَةُ دِينَارٍ وَلِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ فِيمَا اشْتَرَى مِنْ فُلاَنٍ بَيْعُ الْإِسْلاَمِ وَعُهْدَتِهِ لاَ شَيْنَ وَلاَ عَيْبَ وَلاَ دَاءَ ظَاهِرٌ وَلاَ بَاطِنٌ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ بِجَمِيعِ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا مَعًا بِهِ وَعَلَى أَنَّهُمَا يَوْمَ أَقَرَّ بِهِ صَحِيحَانِ لاَ عِلَّةَ بِهِمَا مِنْ مَرَضٍ وَلاَ غَيْرِهِ جَائِزًا الْأَمْرُ شَهِدَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَكَتَبُوا ". (قَالَ) وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَكْتُبَ عُهْدَةَ هَؤُلاَءِ الرَّقِيقِ بِمَعْنًى أَبْيَنَ مِنْ هَذَا فَاكْتُبْ " هَذَا مَا اشْتَرَى فُلاَنٌ مِنْ فُلاَنٍ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا نُوبِيًا مِنْ صِفَتِهِ كَذَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَعَبْدًا فَارِسِيًّا مِنْ صِفَتِهِ كَذَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَأَمَةً مُوَلَّدَةً مِنْ صِفَتِهَا كَذَا بِسِتِّينَ دِينَارًا اشْتَرَى مِنْهُ هَؤُلاَءِ الرَّقِيقَ الثَّلاَثَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا سَمَّى لَهُ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ بِجَمِيعِ هَؤُلاَءِ الرَّقِيقِ وَرُؤْيَتِهِمْ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ وَقَبَضَ فُلاَنٌ هَؤُلاَءِ الرَّقِيقَ مِنْ فُلاَنٍ وَقَبَضَ فُلاَنٌ جَمِيعَ الثَّمَنِ مِنْ فُلاَنٍ وَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَلِفُلاَنٍ فِيمَا اشْتَرَى مِنْ فُلاَنٍ بَيْعُ الْإِسْلاَمِ وَعُهْدَتُهُ لاَ دَاءَ ظَاهِرٌ وَلاَ بَاطِنٌ فَمَا أَدْرَكَ فُلاَنٌ فِي هَؤُلاَءِ الرَّقِيقِ أَوْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ دَرْكٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَعَلَى فُلاَنٍ خَلاَصُهُ أَوْ رَدَّ ثَمَنِ مَنْ أَدْرَكَهُ فِيهِ الدَّرْكَ وَافِيًا بِمَا وَقَعَ فِيهِ ثَمَنُهُ وَجَمِيعُ أَثْمَانِهِمْ مِائَةُ دِينَارٍ مُفَرَّقَةٌ عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِأَعْيَانِهِمَا وَأَنْسَابِهِمَا وَأَنَّهُمَا يَوْمَ كَتَبَا هَذَا الْكِتَابَ صَحِيحًا جَائِزًا الْأَمْرُ فِي أَمْوَالِهِمَا. فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَهُوَ صَحِيحٌ لاَ عِلَّةَ بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَلاَ غَيْرِهِ جَائِزَ الْأَمْرِ فِي مَالِهِ لِمَمْلُوكِهِ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيِّ الَّذِي صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا إنَّك سَأَلَتْنِي أَنْ أُكَاتِبَك عَلَى كَذَا وَكَذَا دِينَارًا مَثَاقِيلَ جِيَادًا تُؤَدِّيَهَا إلَيَّ مُنَجِّمَةً فِي مُضِيِّ عَشْرِ سِنِينَ كُلَّمَا مَضَتْ سَنَةٌ أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَأَوَّلُ نُجُومِك الَّتِي تَحِلُّ لِي عَلَيْك انْسِلاَخُ سَنَةِ كَذَا كُلُّ نَجْمٍ مِنْهَا بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ حَتَّى يَكُونَ أَدَاؤُك آخِرُهَا انْسِلاَخُ سَنَةِ كَذَا فَإِذَا أَدَّيْت جَمِيعَ مَا كَاتَبْتُك عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ سَبِيلَ لِي وَلاَ لِأَحَدٍ عَلَيْك وَلِي وَلِأُوكَ وَوَلاَءُ عَقِبِك مِنْ بَعْدِك. فَإِنْ عَجَزْت عَنْ نَجْمٍ مِنْ هَذِهِ النُّجُومِ فَلِي فَسْخُ كِتَابَتِك. شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ السَّيِّدِ فُلاَنٌ الْفُلاَنِيُّ الْمَمْلُوكُ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلاَنٌ ابْنُ فُلاَنٍ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَهُوَ صَحِيحٌ لاَ عِلَّةَ بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَلاَ غَيْرِهِ جَائِزُ الْأَمْرِ فِي مَالِهِ لِمَمْلُوكِهِ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيِّ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا إنِّي دَبَّرْتُكَ فَمَتَى مَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْك وَلِي وَلاَؤُك وَوَلاَءُ عَقِبِك مِنْ بَعْدِك. شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ فُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ السَّيِّدُ وَفُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيُّ الْمَمْلُوكُ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ) قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ تَوَلَّى اللَّهُ السَّرَائِرَ وَعَاقَبَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ الْحُكْمَ إلَّا عَلَى الْعَلاَنِيَةِ فَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالظَّاهِرِ الَّذِي جُعِلَ إلَيْهِ لَمْ يَتَعَاطَ الْبَاطِنَ الَّذِي تَوَلَّى اللَّهُ دُونَهُ وَإِذَا حَكَمَ وَالْمَحْكُومُ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ حَقٌّ فِي الظَّاهِرِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَبَاطِلٌ فِي عِلْمِهِ دُونَ الْحَاكِمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَأَخْذُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَلاَ يُحِلُّ حَاكِمٌ شَيْئًا وَلاَ يُحَرِّمُهُ إنَّمَا الْحُكْمُ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا وَصَفْنَا وَالْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ عَلَى مَا يَعْلَمُ الْمَحْكُومُ لَهُ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَتَفْسِيرُهُ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَهُوَ كِتَابُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالنِّكَاحِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ إلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ كَانَ سَاكِنًا مَعَنَا فَذَهَبْنَا مَعَهُ فَسَأَلَهُ عَنْ وِلاَدٍ مِنْ وِلاَدِ الْجَاهِلِيَّةِ: فَقَالَ أَمَّا الْفِرَاشُ فَلِفُلاَنٍ وَأَمَّا النُّطْفَةُ فَلِفُلاَنٍ فَقَالَ رضي الله تعالى عنه صَدَقْت وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْفِرَاشِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: إذَا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ بِوَطْءِ وَلِيدَتِهِ لَحِقَ بِهِ وَلَدُهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ قَدْ اسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ ثُمَّ لَمْ يَقْرَبْهَا وَتَفْسِيرُهُ فِي كِتَابِ الطَّلاَقِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ عَنْ الْمَرْأَةِ أَوْ طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلاَقِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ الْآخَرِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ مِلْكِ عُقْدَةِ نِكَاحِهَا بِسَاعَةٍ فَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَحِقَ بِهِ وَإِنْ حَيًّا لَحِقَ بِهِ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَلَوْ ادَّعَاهُ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ لِأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إلَّا مِنْ زِنَا وَوَلَدُ الزِّنَا لاَ يُلْحَقُ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ لَهُ الْحَمْلُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ تَامَّةٍ فَأَكْثَرُ (فَقَالَ الشَّافِعِيُّ) رحمه الله تعالى: وَهَكَذَا نَقُولُ إذَا اشْتَرَكَ الرَّجُلاَنِ فِي طُهْرِ جَارِيَةٍ لَهُمَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ فَأُرِيَهُ الْقَافَةُ فَأَيَّهُمَا أَلْحَقَاهُ بِهِ لَحِقَ وَكَانَ لِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَافَةٌ أَوْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا مَعًا لَمْ يَكُنْ ابْنَهُمَا وَلاَ ابْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ أَنْ يُخَيَّرَ فَيَخْتَارَ أَيَّهمَا شَاءَ فَيَنْتَسِبَ إلَيْهِ فَإِذَا اخْتَارَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَلاَ لِلْوَلَدِ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنْهُ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْأَمَةِ وَفِي مَهْرِهَا مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَحْكُومَةِ لَهُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ نِصْفُ مَهْرِهَا وَنِصْفُ قِيمَتِهَا وَنِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ حِينَ سَقَطَ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلُودُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ فَيُنْتَسَبَ إلَى وَاحِدٍ فَمِيرَاثُهُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَصْطَلِحَا فِيهِ وَإِنْ مَاتَا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَبْلَ أَنْ يَنْتَسِبَ الْمَوْلُودُ إلَى أَحَدِهِمَا وُقِفَ لَهُ مِنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثُ ابْنٍ تَامٍّ وَإِذَا انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا أَخَذَ الْمِيرَاثَ وَرُدَّ مَا وُقِفَ مِنْ مِيرَاثِ الْآخَرِ عَلَى وَرَثَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ وَلَوْ تَرَكَ ثَلَثَمِائَةِ دِينَارٍ فَقَسَمَهَا ابْنَانِ لَهُ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسِينَ وَمِائَةً ثُمَّ يُقِرُّ أَحَدُهُمَا بِرَجُلٍ فَيَقُولُ هَذَا أَخِي وَيُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَاَلَّذِي أَحْفَظُ مِنْ قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ نَسَبَهُ لاَ يَلْحَقُ بِهِ وَأَنَّهُ لاَ يَأْخُذُ مِنْ الْمَالِ قَلِيلاً وَلاَ كَثِيرًا وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ وَلاَ وَصِيَّةٍ إنَّمَا زَعَمَ أَنَّ لَهُ حَقَّ مِيرَاثٍ وَإِذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ بِأَنْ يَكُونَ وَارِثًا وَرِثَ كَمَا يَرِثُ وَعَقَلَ فِي الْجِنَايَةِ فَلَمَّا كَانَ هَذَا لاَ يَثْبُتُ عَلَيْهِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَلاَ يَثْبُتُ لَهُ مِيرَاثٌ إلَّا بِأَنْ يَثْبُتَ لَهُ نَسَبٌ وَهَذَا أَصَحُّ مَا فِيهِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّبِيعُ " لاَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلاَ يَأْخُذُ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْئًا لِأَنَّ الْمَالَ فَرْعُ النَّسَبِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَهُوَ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ الْفَرْعُ الَّذِي هُوَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لاَ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَأْخُذُ خَمْسِينَ دِينَارًا مِنْ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ وَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِنَسَبِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَسْقَطَا إقْرَارَهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: لاَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُقَاسِمُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مَا فِي يَدَيْهِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَإِيَّاهُ فِي مَالِ أَبِيهِ سَوَاءٌ وَهَذَا أَبْعَدُ عِنْدَنَا مِنْ الصَّوَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكُلُّهَا إذَا سَمِعَهَا السَّامِعُ رَأَى لَهُ مَذْهَبًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لاَ يُقْسَمُ صِنْفٌ مِنْ الْمَالِ مَعَ غَيْرِهِ - لاَ يُقْسَمُ عِنَبٌ مَعَ خَلِّهِ وَلاَ أَصْلٌ مَعَ أَصْلِ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ يَحْيَا بِغَيْرِ مَا يَحْيَا بِهِ غَيْرُهُ لَمْ يُقْسَمْ مَعَهُ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْأَثْمَانِ مُتَبَايِنَةٌ فَلاَ يُقْسَمُ نَضْحٌ مَضْمُومًا إلَى عَثْرِي وَلاَ عَثْرِي مَضْمُومًا إلَى بَعْلٍ وَلاَ بَعْلٌ مَضْمُومًا إلَى نَخْلٍ يُشْرَبُ بِنَهْرٍ مَأْمُونِ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّ أَثْمَانَهَا مُتَبَايِنَةٌ. وَالْبَعْلُ الَّذِي أُصُولُهُ قَدْ بَلَغَتْ الْمَاءَ. فَاسْتَغْنَى عَنْ أَنْ يُسْقَى وَالنَّضْحُ مَا يُسْقَى بِالْبِئْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: لاَ تُضَعَّفُ الْغَرَامَةُ عَلَى أَحَدٍ فِي شَيْءٍ إنَّمَا الْعُقُوبَةُ فِي الْأَبْدَانِ لاَ فِي الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا تَرَكْنَا تَضْعِيفَ الْغَرَامَةِ مِنْ قِبَلِ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيمَا أَفْسَدَتْ نَاقَةُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ. وَمَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا} فَإِنَّمَا يَضْمَنُونَهُ بِقِيمَةٍ لاَ بِقِيمَتَيْنِ وَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ}.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ قَالَ أُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ بَارِزٍ لِلنَّاسِ لاَ يَكُونُ دُونَهُ حِجَابٌ وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَسِّطًا لِلْمِصْرِ وَأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَغْشَاهُ لِغَيْرِ مَا بُنِيَتْ لَهُ الْمَسَاجِدُ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي أَوْفَقِ الْأَمَاكِنِ بِهِ وَأَحْرَاهَا أَنْ لاَ يُسْرِعَ مَلاَلَتُهُ فِيهِ. (قَالَ) وَإِذَا كَرِهْت لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي الْمَسْجِدِ فَلاََنْ يُقِيمَ الْحَدَّ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ يُعَزِّرَ أَكْرَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلاَ يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لاَ يَقْضِي الْقَاضِي أَوْ لاَ يُحَاكِمُ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يَقْضِيَ الرَّجُلُ وَهُوَ غَضْبَانُ وَكَانَ مَعْقُولاً فِي الْغَضَبِ تَغَيُّرُ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ فَأَيُّ حَالٍ جَاءَتْ عَلَيْهِ يَعْلَمُ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ تَغَيُّرَ عَقْلِهِ أَوْ فَهْمِهِ امْتَنَعَ مِنْ الْقَضَاءِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ إذَا اشْتَكَى أَوْ جَاعَ أَوْ اهْتَمَّ أَوْ حَزِنَ أَوْ بَطِرَ فَرَحًا تَغَيَّرَ لِذَلِكَ فَهْمُهُ أَوْ خُلُقُهُ لَمْ أُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لاَ يُغَيِّرُ عَقْلَهُ وَلاَ فَهْمَهُ وَلاَ خُلُقَهُ قَضَى فَأَمَّا النُّعَاسُ فَيَغْمُرُ الْقَلْبَ شَبِيهًا بِغَمْرِ الْغَشْيِ فَلاَ يَقْضِي نَاعِسًا وَلاَ مَغْمُورَ الْقَلْبِ مِنْ هَمٍّ أَوْ وَجَعٍ يَغْمُرُ قَلْبَهُ. (قَالَ) وَأَكْرَهُ لِلْقَاضِي الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ وَالنَّظَرَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى أَهْلِهِ وَفِي ضَيْعَتِهِ لِأَنَّ هَذَا أَشْغَلُ لِفَهْمِهِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْغَضَبِ وَجُمَّاعُ مَا شَغَلَ فِكْرَهُ يُكْرَهُ لَهُ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَكْرَهُ لَهُ. وَلَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ لَمْ أَنْقُضْ الْبَيْعَ وَلاَ الشِّرَاءَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ فَهْمُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى فِي الْحَالِ الَّتِي كَرِهْت لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِيهَا لَمْ أَرُدَّ مِنْ حُكْمِهِ إلَّا مَا كُنْت رَادًّا مِنْ حُكْمِهِ فِي أَفْرَغْ حَالاَتِهِ وَذَلِكَ إذَا حَكَمَ بِخِلاَفِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا وَصَفْت مِمَّا يُرَدُّ بِهِ الْحُكْمُ. (قَالَ) وَإِذَا اخْتَصَمَ الرَّجُلاَنِ إلَى الْقَاضِي فَبَانَ لَهُ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ اللَّدَدُ نَهَاهُ فَإِنْ عَادَ زَجَرَهُ. وَلاَ يَبْلُغُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلاَ يَضْرِبَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَا يَسْتَوْجِبُ ضَرْبًا أَوْ حَبْسًا وَمَتَى بَانَ لَهُ الْحَقُّ عَلَيْهِ قَطَعَ بِهِ الْحُكْمَ عَلَيْهِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَئِمَّةَ إنَّمَا كُلِّفُوا الْقَضَاءَ عَلَى الظَّاهِرِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَدْ يَكُونُ هَذَا فِي الْبَاطِنِ مُحَرَّمًا عَلَى مَنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ وَأَبَاحَ الْقَضَاءَ عَلَى الظَّاهِرِ وَدَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْإِمَامِ لاَ يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً لِقَوْلِهِ: {فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْهُ} وَدَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ حَقٍّ وَجَبَ لِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَضَاءِ قَاضٍ فَأَقْرَرْت بِخِلاَفِهِ أَنَّ قَوْلِي أَوْلَى لِقَوْلِهِ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ فِي الظَّاهِرِ فَلاَ يَأْخُذْهُ إذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ لَيْسَ لَهُ وَأَنَّ الْبَاطِنَ إذَا تَبَيَّنَ بِإِقْرَارِهِ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ وَهُوَ أَنْ لاَ يَأْخُذَ وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ غَيْرُ آخِذٍ فَأَبْطَلَ إقْرَارَهُ بِأَنْ لاَ حَقَّ لَهُ فِيمَا قَضَى لَهُ بِهِ مِنْ الْحَقِّ وَدَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى النَّاسِ يَجِيءُ عَلَى نَحْوِ مَا يَسْمَعُ مِنْهُمْ مِمَّا لَفَظُوا بِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نِيَّاتُهُمْ أَوْ غَيْبُهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ " فَمَنْ قَضَيْت لَهُ فَلاَ يَأْخُذْ " إذْ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمْ إنَّمَا هُوَ بِمَا لَفَظُوا بِهِ لاَ بِمَا غَابَ عَنْهُ. وَقَدْ وَكَّلَهُمْ فِيمَا غَابَ عَنْهُ مِنْهُمْ بِنِيَّةٍ أَوْ قَوْلٍ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَدَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِحَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا بِمَا لَفَظَ وَأَنْ لاَ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِمَّا غَيَّبَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ أَمْرِهِ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ سَبَبٍ أَوْ ظَنٍّ أَوْ تُهْمَةٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ " وَإِخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ قَضَيْت لَهُ فَلاَ يَأْخُذْهُ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى مَا يَسْمَعُ مِنْهُمَا وَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ عَلَيْهِمَا غَيْرَ مَا قَضَى عَلَيْهِمَا بِمَا لَفَظَا بِهِ قَضَى بِمَا سَمِعَ وَوَكَّلَهُمْ فِيمَا غَابَ إلَى أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ قَضَى بِتَوَهُّمٍ مِنْهُ عَلَى سَائِلِهِ أَوْ بِشَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّهُ خَلْقٌ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ مَا سَمِعَ مِنْ السَّائِلِينَ فَخِلاَفُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِ الْغَيْبِ وَادَّعَى هَذَا عِلْمَهُ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِمَا سَمِعَ وَأَخْبَرَ أَنْ قَدْ يَكُونُ غَيْبُهُمْ غَيْرَ ظَاهِرِهِمْ لِقَوْلِهِ: {فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ فَلاَ يَأْخُذْهُ} وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى النَّاسِ بِعِلْمِ هَذَا لِمَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَكَرَامَتِهِ الَّتِي اخْتَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا مِنْ النُّبُوَّةِ وَنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ فَوَكَّلَهُمْ فِي غَيْبِهِمْ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَادَّعَى هَذَا عِلْمَهُ وَمِثْلُ هَذَا قَضَاؤُهُ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ بِالْوَلَدِ وَقَوْلِهِ لِسَوْدَةِ: {احْتَجِبِي مِنْهُ} عِنْدَمَا رَأَى شَبَهًا بَيِّنًا فَقَضَى بِالظَّاهِرِ وَهُوَ فِرَاشُ زَمْعَةَ وَدَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَخَذَ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ شَيْئًا فَإِنَّمَا يَقْطَعُ لِنَفْسِهِ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ وَالْفَيْءُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ فَقِيَاسًا عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ أَعْطَى أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ مُسْتَأْهِلاً لَهُ وَلَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهُ فَهُوَ آخِذٌ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّهُمْ أَكْثَرُ حُرْمَةً مِنْ وَاحِدِهِمْ فَإِنَّمَا أَخَذَ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ وَمَتَى ظَفِرَ بِمَالِهِ أَوْ بِمَنْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا أَخَذَ مِنْهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَأْهِلاً لَهُ وَلَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهُ فَوُضِعَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ} قَالَ يَزِيدُ فَحَدِّثْ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَزْمٍ فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَمَعْنَى الِاجْتِهَادِ مِنْ الْحَاكِمِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَنْ لاَ يَكُونَ فِيمَا يَرِدُ الْقَضَاءُ فِي كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ أَمْرٍ مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ فَأَمَّا وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فَلاَ. فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرُهُ الِاجْتِهَادُ؟ قِيلَ لَهُ أَقْرَبُ ذَلِكَ: {قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ كَيْف تَقْضِي؟ قَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟ قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُحِبُّ رَسُولُ اللَّهِ} فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ بَعْدَ أَنْ لاَ يَكُونَ كِتَابُ اللَّهِ وَلاَ سُنَّةُ رَسُولِهِ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وَمَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ثُمَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي قَوْلِهِ إذَا اجْتَهَدَ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَيْسَ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَكِتَابُ اللَّهِ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَوْلَى مِنْ رَأْيِ نَفْسِهِ وَمَنْ قَالَ الِاجْتِهَادُ أَوْلَى خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بِرَأْيِهِ ثُمَّ هُوَ مِثْلُ الْقِبْلَةِ الَّتِي مَنْ شَهِدَ مَكَّةَ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ رُؤْيَةُ الْبَيْتِ بِالْمُعَايَنَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ غَيْرُ مُعَايَنَتِهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا بِاجْتِهَادِهِ فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ عَلَى غَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ " وَقَالَ مُعَاذٌ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَرَضِيَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي وَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اجْتَهَدَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟ قِيلَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} فَجَعَلَ النَّاسَ تَبَعًا لَهُمَا ثُمَّ لَمْ يُهْمِلْهُمْ وَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إلَيْك مِنْ رَبِّك} وَلِقَوْلِهِ: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} فَفَرَضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ رَسُولِهِ فَإِذَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ هُمَا الْأَصْلاَنِ اللَّذَانِ افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ مُخَالِفَ فِيهِمَا وَهُمَا عَيْنَانِ ثُمَّ قَالَ " إذَا اجْتَهَدَ " فَالِاجْتِهَادُ لَيْسَ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِاتِّبَاعِ نَفْسِهِ إنَّمَا أُمِرَ بِاتِّبَاعِ غَيْرِهِ فَإِحْدَاثُهُ عَلَى الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ إحْدَاثِهِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ وَهُوَ رَأْيُ نَفَسِهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِاتِّبَاعِهِ فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ نَفْسَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ غَيْرَهُ وَالِاجْتِهَادُ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَالِاسْتِحْسَانُ يَدْخُلُ عَلَى قَائِلِهِ كَمَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ اجْتَهَدَ عَلَى غَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَمَنْ قَالَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ قَوْلاً عَظِيمًا لِأَنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ فِي رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَاسْتِحْسَانِهِ عَلَى غَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ مَوْضِعَهُمَا فِي أَنْ يَتَّبِعَ رَأْيَهُ كَمَا اتَّبَعَا. وَفِي أَنَّ رَأْيَهُ أَصْلٌ ثَالِثٌ أُمِرَ النَّاسُ بِاتِّبَاعِهِ وَهَذَا خِلاَفُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَزَادَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ رَأْيًا آخَرَ عَلَى حِيَالِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَهُ فِي كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ أَمْرٍ مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ وَلاَ أَثَرٍ فَإِذَا كَانَا مَوْجُودَيْنِ فَهُمَا الْأَصْلاَنِ وَإِذَا لَمْ يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ فَالْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا لاَ عَلَى غَيْرِهِمَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ هَذَا قِيلَ مِثْلُ الْكَعْبَةِ مَنْ رَآهَا صَلَّى إلَيْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا بِالدَّلاَئِلِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَإِنْ صَلَّى غَائِبًا عَنْهَا بِرَأْيِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ بِالدَّلاَئِلِ عَلَيْهَا كَانَ مُخْطِئًا وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ, وَكَذَلِكَ الِاجْتِهَادُ فَمَنْ اجْتَهَدَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَذَلِكَ. وَمَنْ اجْتَهَدَ عَلَى غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ مُخْطِئًا. وَمِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} وَالْمِثْلُ لِلْمَقْتُولِ وَقَدْ يَكُونُ غَائِبًا فَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ عَلَى أَصْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فَيَنْظُرُ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا فَيُهْدِيه. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُبِحْ الِاجْتِهَادَ إلَّا عَلَى الْأُصُولِ لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَمَرَ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ فَأَمَرَ بِالْمِثْلِ عَلَى الْأَصْلِ لَيْسَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ. وَمِثْلُ أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت فَلَوْ جَازَ الِاجْتِهَادُ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ لَجَازَ لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنْ يُؤَذِّنَ بِغَيْرِ إخْبَارِ غَيْرِهِ لَهُ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ. وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ آلَةُ الِاجْتِهَادِ عَلَى الْأَصْلِ لَمْ يَجُزْ اجْتِهَادُهُ حَتَّى يُخْبِرَهُ مَنْ قَدْ اجْتَهَدَ عَلَى الْأَصْلِ وَفِي إخْبَارِهِ عَلَى غَيْرِ اجْتِهَادٍ عَلَى الْأَصْلِ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ الَّذِي هُوَ حَلاَلٌ لِي وَتَحْلِيلُ الصَّلاَةِ الَّتِي هِيَ حَرَامٌ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَهَا إلَّا فِي وَقْتِهَا وَفِي إخْبَارِ الْحَاكِمِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ لِرَجُلٍ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّ وَاحِدَةً قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ تَحْرِيمَ امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ وَتَحْلِيلَ الْخَامِسَةِ لَهُ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ وَقَدْ أَحَلَّ وَحَرَّمَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَلَجَازَ أَنْ يَجْتَهِدَ الْأَعْمَى فَيُصَلِّيَ بِرَأْيِهِ وَلاَ رَأْيَ لَهُ وَلَجَازَ أَنْ يُصَلِّيَ الْأَعْمَى وَلاَ يَدْرِي قَدْ أَحَلَّ وَحَرَّمَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَلَجَازَ أَنْ يَجْتَهِدَ الْأَعْمَى فَيُصَلِّيَ بِرَأْيِهِ وَلاَ رَأْيَ لَهُ وَلَجَازَ أَنْ يُصَلِّيَ الْأَعْمَى وَلاَ يَدْرِي أَزَالَتْ الشَّمْسُ أَمْ لاَ؟ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَلَجَازَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَنَّ الْهِلاَلَ قَدْ طَلَعَ وَلَجَازَ إذَا كَانَتْ دَلاَئِلُ الْقِبْلَةِ أَنْ يَدَعَ الرَّجُلُ النَّظَرَ إلَيْهَا وَالِاجْتِهَادَ عَلَيْهَا وَيَعْمَلَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ كَمَا إذَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَآمُرُهُ يَتْرُكُ الدَّلاَئِلَ وَآمُرُهُ يَجْتَهِدُ بِرَأْيِهِ وَهَذَا خِلاَفُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ} وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ} وَلِصَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَكَانَ إذًا يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلِمَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُمَا أَنْ يَجْتَهِدَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ بِرَأْيِهِ بِغَيْرِ قِيَاسٍ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ عَلَى غَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ فَلاَ يَعْدُو أَنْ يُصِيبَ أَوْ يُخْطِئَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي أُمِرَ بِاتِّبَاعِهَا فَيَكُونُ إذَا اجْتَهَدَ عَلَيْهَا مُؤَدِّيًا لِفَرْضِهِ فَقَدْ أَبَاحَ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَجَهِلَهُمَا أَنْ يَكُونَ رَأْيَ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ أَجْهَلَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ مِثْلُ رَأْيِ مَنْ عَلِمَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُهُ أَنَّ مَنْ عَلِمَهُمَا وَاجْتَهَدَ عَلَى غَيْرِهِمَا جَازَ لَهُ فَمَا مَعْنَى مَنْ عَلِمَهُمَا وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْهُمَا فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِمَا إلَّا سَوَاءٌ؟ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي عَلِمَهُمَا يَفْضُلُ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْهُمَا بِمَا نَصَّا فَقَطْ فَأَمَّا بِمَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَكَانَ قَدْ جَعَلَ الْعَالِمِينَ وَالْجَاهِلِينَ فِي دَرْكِ عِلْمِ مَا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ سَوَاءً فَكَانَ لِلْجَاهِلِينَ إذَا نَزَلَ بِهِمْ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ بِمَا يُسْتَدْرَكُ قِيَاسًا أَنْ يَكُونَ هُوَ فِيهِ وَالْعَالِمُ سَوَاءً وَأَنْ يَقْتَدِيَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَالِمُ عِنْدَهُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ فَأَكْثَرُ حَالاَتِ الْجَاهِلِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ فَاسْتَوَيَا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَكَانَ كُلُّ مَنْ رَأَى رَأْيًا فَاسْتَحْسَنَهُ جَاهِلاً كَانَ أَوْ عَالِمًا جَازَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ كُلُّ الْعِلْمِ يُوجَدُ فِيهِ كِتَابٌ وَسُنَّةٌ نَصًّا وَكَانَ قَدْ جَعَلَ رَأْيَ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ مِنْهُمْ أَصْلاً يُتَّبَعُ كَمَا تُتَّبَعُ السُّنَّةُ لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ الِاجْتِهَادَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ بِهِ فِي نَفْسِهِ وَرَآهُ حَقًّا لَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهِ اتِّبَاعَهُ وَاتِّبَاعَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ قَائِلُ هَذَا وَاتِّبَاعُ نَفْسِك فَأَقَامَ النَّاسَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَقَامًا عَظِيمًا بِغَيْرِ شَيْءٍ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ: {أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدًا أَنْ يَحْكُمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَكَمَ بِرَأْيِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافَقْت حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ} فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِرَأْيِهِ فَوَافَقَ الْحُكْمَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لَهُمْ حُوتٌ مِنْ الْبَحْرِ مَيِّتٌ فَأَكَلُوهُ ثُمَّ سَأَلُوا عَنْهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلْ بَقِيَ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟} فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا أَكَلُوهُ يَوْمَئِذٍ بِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ وَسَرَايَاهُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِطَاعَتِهِمْ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ وَقَدْ فَعَلَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا فِي بَعْضِ مَغَازِيهِمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الرَّجُلُ الَّذِي لاَذَ بِالشَّجَرَةِ فَأَحْرَقُوهُ وَاَلَّذِي أَمَرَ الرَّجُلَ أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ فِي النَّارِ وَاَلَّذِي جَاءَ بِالْهَدِيَّةِ وَكُلُّ هَذَا فَعَلُوهُ بِرَأْيِهِمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرَّجُلُ الَّذِي قَالَ أَسْلَمْت لِلَّهِ فَقُتِلَ فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قِيلَ لَهُ فَمَا احْتَجَجْت مِنْ هَذَا يُشْبِهُ أَنَّهُ لَنَا دُونَك. أَمَّا أَوَّلاً, فَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَرَايَاهُ وَأُمَرَائِهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ وَاتِّبَاعِهِمَا وَأَمْرُهُ مَنْ أُمِّرَ عَلَيْهِمْ أُمَرَاءُ أَنْ يُطِيعُوهُمْ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ فَإِذَا عَصَوْا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلاَ طَاعَةَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ فَفِي نَفْسِ مَا احْتَجَجْت بِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ النَّاسَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ أُمَرَائِهِمْ إذَا كَانُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ فَإِذَا عَصَوْا فَلاَ طَاعَةَ لَهُمْ عَلَيْكُمْ وَفِيهِ أَنَّهُ كَرِهَ لَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ بِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ الْحَرْقِ وَالْقَتْلِ وَأَبَاحَ لَهُمْ كُلَّ مَا عَمِلُوهُ مُطِيعِينَ فِيهِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَنَا حُجَّةٌ فِي رَدِّ الِاجْتِهَادِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ إلَّا مَا احْتَجَجْت بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ لَهُمْ وَنَهَاهُمْ عَنْ كُلِّ أَمْرٍ فَعَلُوهُ بِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ لَكَانَ لَنَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَجَازَ رَأْيَ سَعْدٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَرَأْيَ الَّذِينَ أَكَلُوا الْحُوتَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ. قِيلَ أَجَازَهُ لِصَوَابِهِ كَمَا يُجِيزُ رَأْيَ كُلِّ مَنْ رَأَى مِمَّنْ يَعْلَمُ أَوْ لاَ يَعْلَمُ إذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَعْلَمُ خَطَأَهُ وَصَوَابَهُ فَيُجِيزُهُ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ إذَا أَصَابَ الْحَقَّ بِمَعْنَى إجَازَتِهِ لَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ لاَ بِمَعْنَى رَأْيِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا دُونَ عِلْمِك لِأَنَّ رَأْيَ ذِي الرَّأْيِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ قَدْ يُصِيبُ وَقَدْ يُخْطِئُ وَلَمْ يُؤْمَرْ النَّاسُ أَنْ يَتَّبِعُوا إلَّا كِتَابَ اللَّهِ أَوْ سُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَدْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْ الْخَطَأِ وَبَرَّأَهُ مِنْهُ فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فَأَمَّا مَنْ كَانَ رَأْيُهُ خَطَأً أَوْ صَوَابًا فَلاَ يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِاتِّبَاعِهِ وَمَنْ قَالَ لِلرَّجُلِ يَجْتَهِدُ بِرَأْيِهِ فَيَسْتَحْسِنُ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ فَقَدْ أَمَرَ بِاتِّبَاعِ مَنْ يُمْكِنُ مِنْهُ الْخَطَأُ وَأَقَامَهُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ اتِّبَاعَهُ فَإِنْ كَانَ قَائِلُ هَذَا مِمَّنْ يَعْقِلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ فَتَكَلَّمَ بِهِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ هَذَا فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهُ وَإِنْ كَانَ غَبِيًّا عَلِمَ هَذَا حَتَّى يَرْجِعَ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ اُحْكُمْ قِيلَ مِثْلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ أَنْفُسِ الْمُسْتَشَارِينَ أَوْ الْمُسْتَشَارِ مِنْهُمْ وَالرِّضَا بِالصُّلْحِ عَلَى ذَلِكَ وَوَضْعِ الْحَرْبِ بِذَلِكَ السَّبَبِ لاَ أَنَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَةً إلَى مَشُورَةِ أَحَدٍ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُؤَيِّدُهُ بِنَصْرِهِ بَلْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالطَّوْلُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ وَبِجَمِيعِ الْخَلْقِ الْحَاجَةُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ اُحْكُمْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَأَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً فِي مِثْلِ هَذَا فَحَكَمَ عَلَى مِثْلِهَا أَوْ يَحْكُمَ فَيُوَفِّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَمْرِ رَسُولِهِ فَيَعْرِفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوَابَ ذَلِكَ فَيُقِرَّهُ عَلَيْهِ أَوْ يَعْرِفَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ قِيلَ فَيَحْكُمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَدْ يُخْطِئُ؟ قِيلَ نَعَمْ وَلاَ يَبْرَأُ أَحَدٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْخَطَأِ إلَّا الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ كَمَا وَلَّى أُمَرَاءَ فَفَعَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ مَا كَرِهَ بِرَأْيِهِ عَلَى مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ مِنْهُمْ لِلدِّينِ فَرَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجَازَ لَهُمْ مَا عَمِلُوا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ يَجُوزُ هَذَا مِنْ سُنَّتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اخْتَصَّهُ بِوَحْيِهِ وَانْتَخَبَهُ لِرِسَالَتِهِ فَمَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ مِنْ أَحَدِ أُمَرَائِهِ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ فَبِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَقَرَّهُمْ وَمَا كَرِهَ لَهُمْ بِأَنْ كَانُوا فَعَلُوهُ طَلَبَ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَبِطَاعَةِ اللَّهِ كَرِهَ لَهُمْ وَلَيْسَ يَعْلَمُ مِثْلَ هَذَا مَنْ رَأَى أَحَدٌ صَوَابَهُ مِنْ خَطَئِهِ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِرَأْيِهِ لِأَنَّهُ لاَ مُبَيِّنَ لِرَأْيِهِ أَصَوَابٌ هُوَ أَمْ خَطَأٌ وَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يَتَّبِعُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا غَبِيَ عِلْمُهُمَا عَلَى أَحَدٍ فَالدَّلاَئِلُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِبَادِهِ وَأَمَرُوا بِاتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَكَلُوا الْحُوتَ بِغَيْرِ حُضُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلاَ أَصْلٍ عِنْدَهُمْ؟ قِيلَ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إلَى أَكْلِهِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ حِلِّهِ. أَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ أَوْ لاَ تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّيْدِ الَّذِي صَادَهُ إذْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ ضَرُورَةٌ إلَى أَكْلِهِ أَمْسَكُوا إذْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ أَصْلٌ حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُشَاوِرَ وَلاَ يُشَاوِرَ فِي أَمْرِهِ إلَّا عَالِمًا بِكِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَآثَارٍ وَأَقَاوِيلِ النَّاسِ وَعَاقِلاً يَعْرِفُ الْقِيَاسَ وَلاَ يُحَرِّفُ الْكَلاَمَ وَوُجُوهَهُ وَلاَ يَكُونُ هَذَا فِي رَجُلٍ حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَلاَ يُشَاوِرُهُ إذَا كَانَ هَذَا مُجْتَمِعًا فِيهِ حَتَّى يَكُونَ مَأْمُونًا فِي دِينِهِ لاَ يَقْصِدُ إلَّا قَصْدَ الْحَقِّ عِنْدَهُ وَلاَ يَقْبَلُ مِمَّنْ كَانَ هَكَذَا عِنْدَهُ شَيْئًا أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى حَالٍ حَتَّى يُخْبِرَهُ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ مِنْ خَبَرٍ يَلْزَمُ وَذَلِكَ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ أَوْ مِنْ قِيَاسٍ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلاَ يَقْبَلُ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ هَذَا لَهُ حَتَّى يَعْقِلَ مِنْهُ مَا يَعْقِلُ فَيَقِفَهُ عَلَيْهِ فَيَعْرِفَ مِنْهُ مَعْرِفَتَهُ وَلاَ يَقْبَلَهُ مِنْهُ وَإِنْ عَرَفَهُ هَكَذَا حَتَّى يَسْأَلَ هَلْ لَهُ وَجْهٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الَّذِي قَالَ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الَّذِي قَالَ أَوْ كَانَتْ سُنَّةٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي رِوَايَتِهَا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْقُرْآنِ وَجْهَانِ أَوْ كَانَتْ سُنَّةٌ رُوِيَتْ مُخْتَلِفَةً أَوْ سُنَّةٌ ظَاهِرُهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ لَمْ يَعْمَلْ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ حَتَّى يَجِدَ دَلاَلَةً مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي عَمِلَ بِهِ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تَرَكَهُ وَهَكَذَا يَعْمَلُ فِي الْقِيَاسِ لاَ يَعْمَلُ بِالْقِيَاسِ أَبَدًا حَتَّى يَكُونَ أَوْلَى بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ أَصَحَّ فِي الْمَصْدَرِ مِنْ الَّذِي تَرَكَ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِغَيْرِ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ اسْتَحْسَنْت لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ لِنَفْسِهِ اسْتَحْسَنْت أَجَازَ لِنَفْسِهِ أَنْ يُشَرِّعَ فِي الدِّينِ وَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دَهْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَبَيْنَ فَضْلاً فِي الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ مِنْهُ وَلاَ يَقْضِي أَبَدًا إلَّا بِمَا يَعْرِفُ وَإِنَّمَا أَمَرْته بِالْمَشُورَةِ لِأَنَّ الْمُشِيرَ يُنَبِّهُهُ لِمَا يَغْفُلُ عَنْهُ وَيَدُلُّهُ مِنْ الْأَخْبَارِ عَلَى مَا لَعَلَّهُ أَنْ يَجْهَلَهُ. فَأَمَّا أَنْ يُقَلِّدَ مُشِيرًا فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ هَذَا لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا اجْتَمَعَ لَهُ عُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ أَوْ افْتَرَقُوا فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ لاَ يَقْبَلُهُ إلَّا تَقْلِيدًا لِغَيْرِهِمْ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ يَدُلُّونَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْقِلَهُ كَمَا عَقَلُوهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَقْلِهِ مَا إذَا عَقَلَ الْقِيَاسَ عَقَلَهُ وَإِذَا سَمِعَ الِاخْتِلاَفَ مَيَّزَهُ فَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِيَ وَلاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَقْضِيَهُ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى أَنْ يَجْمَعَ الْمُخْتَلِفِينَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِتَقَصِّيهِ الْعِلْمَ وَلِيَكْشِفَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ, يَعِيبُ بَعْضُهُمْ قَوْلَ بَعْضٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ عَلَى التَّقْلِيدِ أَوْ الْقِيَاسِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ ثُمَّ رَأَى الْحَقَّ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ رَأَى الْحَقَّ فِي الْحَادِثِ بِأَنَّهُ كَانَ خَالَفَ فِي الْأَوَّلِ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا أَوْ أَصَحَّ الْمَعْنَيَيْنِ فِيمَا احْتَمَلَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ نَقَضَ قَضَاءَهُ الْأَوَّلَ عَلَى نَفْسِهِ وَكُلَّ مَا نَقَضَ عَلَى نَفْسِهِ نَقَضَهُ عَلَى مَنْ قَضَى بِهِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ مِمَّنْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ, وَإِنْ كَانَ إنَّمَا رَأَى قِيَاسًا مُحْتَمَلاً أَحْسَنَ عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ قَضَى بِهِ مِنْ قَبْلُ وَاَلَّذِي قَضَى بِهِ قَبْلُ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ لَيْسَ الْآخَرُ بِأَبْيَنَ حَتَّى يَكُونَ الْأَوَّلُ خَطَأً فِي الْقِيَاسِ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ فِي الْقَضَاءِ الْآخَرِ بِاَلَّذِي رَأَى آخِرًا وَلَمْ يَنْقُضْ الْأَوَّلَ وَمَا لَمْ يَنْقُضْهُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَنْقُضْهُ عَلَى أَحَدٍ حَكَمَ بِهِ قَبْلَهُ وَلاَ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ مُنَفِّذًا لَهُ وَإِنْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ قَاضٍ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُبْتَدِئُ الْحُكْمِ فِيهِ وَلاَ يَبْتَدِئُ الْحُكْمَ بِمَا يَرَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ مِنْهُ, وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَعَقَّبَ حُكْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ فَإِنْ تَظَلَّمَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ قَبْلَهُ نَظَرَ فِيمَا تَظَلَّمَ فِيهِ فَإِنْ وَجَدَهُ قَضَى عَلَيْهِ بِمَا وَصَفْت فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى مِنْ خِلاَفِ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ فَهَذَا خَطَأٌ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ لاَ يَسْعَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خِلاَفَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ أَوْ كَانَ يَرَاهُ بَاطِلاً بِأَنَّ قِيَاسًا عِنْدَهُ أَرْجَحُ مِنْهُ وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ لَمْ يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا فَلَيْسَ يَرُدُّهُ مِنْ خَطَأٍ بَيِّنٍ إلَى صَوَابٍ بَيِّنٍ كَمَا يَرُدُّهُ فِي خِلاَفِ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ مِنْ خَطَأٍ بَيِّنٍ إلَى صَوَابٍ بَيِّنٍ
(قَالَ) وَإِذَا تَنَاقَدَ الْخَصْمَانِ بَيِّنَتَهُمَا وَحُجَّتَهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ أَوْ وُلِّيَ غَيْرُهُ لَمْ يَحْكُمْ حَتَّى يُعِيدَا عَلَيْهِ حُجَّتَهُمَا وَبَيِّنَتَهُمَا ثُمَّ يَحْكُمُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَفِّفَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ بَيِّنَتِهِمَا إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَسْأَلُ عَنْهُ وَهَكَذَا شُهُودُهُ يُعِيدُ تَعْدِيلَهُمْ وَيُخَفِّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَيُوجِزُهَا لِئَلَّا تَطُولَ وَيُحَبُّ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي أَنْ يُوَلِّيَ الشِّرَاءَ لَهُ وَالْبَيْعَ رَجُلاً مَأْمُونًا غَيْرَ مَشْهُورٍ بِأَنَّهُ يَبِيعُ لَهُ وَلاَ يَشْتَرِي خَوْفَ الْمُحَابَاةِ بِالزِّيَادَةِ لَهُ فِيمَا اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ النَّقْصَ فِيمَا اشْتَرَى لَهُ فَإِنَّ هَذَا مِنْ مَآكِلِ كَثِيرٍ مِنْ الْحُكَّامِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أُفْسِدْ لَهُ شِرَاءً وَلاَ بَيْعًا إلَّا أَنْ يَسْتَكْرِهَ أَحَدًا عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِمَا أُفْسِدُ بِهِ شِرَاءُ السُّوقَةِ
(قَالَ) وَلاَ أُحِبُّ لِحَاكِمٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْوَلِيمَةِ إذَا دُعِيَ لَهَا وَلاَ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ وَلِيمَةَ بَعْضٍ وَيَتْرُكَ بَعْضًا إمَّا أَنْ يُجِيبَ كُلًّا أَوْ يَتْرُكَ كُلًّا وَيَعْتَذِرُ وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَعْذِرُوهُ وَيَعُودَ الْمَرْضَى وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ وَيَأْتِيَ الْغَائِبَ عِنْدَ قُدُومِهِ وَمَخْرَجِهِ.
(قَالَ) وَإِذَا تَحَاكَمَ إلَى الْقَاضِي أَعْجَمِيٌّ لاَ يَعْرِفُ لِسَانَهُ لَمْ يَقْبَلْ التَّرْجَمَةَ عَنْهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ ذَلِكَ اللِّسَانَ لاَ يَشُكَّانِ فِيهِ فَإِنْ شَكَّا لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَأَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الشَّهَادَةِ فَيَقْبَلُ فِيهِ مَا يَقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ وَيَرُدُّ فِيهِ مَا يَرُدُّ فِيهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنْ كَانُوا مَجْهُولِينَ كَتَبَ حِلْيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَرَفَعَ فِي نَسَبِهِ إنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ أَوْ وَلاَئِهِ إنْ كَانَ يَعْرِفُ لَهُ وَلاَءً. وَسَأَلَهُ عَنْ صِنَاعَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ صِنَاعَةٌ وَعَنْ كُنْيَتِهِ إنْ كَانَ يُعْرَفُ بِكُنْيَةِ وَعَنْ مَسْكَنِهِ وَمَوْضِعِ بِيَاعَاتِهِ وَمُصَلَّاهُ. وَأُحِبُّ لَهُ إنْ كَانَ الشُّهُودُ لَيْسُوا مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالْحَالِ الْحَسَنَةِ الْمُبْرَزَةِ وَالْعَقْلِ مَعَهَا أَنْ يُفَرِّقَهُمْ ثُمَّ يَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَتِهِ عَنْ شَهَادَتِهِ وَالْيَوْمِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ وَالْمَوْضِعِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ وَمَنْ حَضَرَهُ وَهَلْ جَرَى ثَمَّ كَلاَمٌ. ثُمَّ يُثْبِتُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَهَكَذَا أُحِبُّ إنْ كَانَ ثَمَّ حَالٌ حَسَنَةٌ وَلَمْ يَكُنْ سَدِيدَ الْعَقْلِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ هَذَا وَيَسْأَلَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ عَنْ مِثْلِ مَا يَسْأَلُ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى عَوْرَةٍ إنْ كَانَتْ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ اخْتِلاَفٍ إنْ كَانَ فِي شَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ غَيْرِهِ فَيَطْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَزِمَهُ طَرْحُهُ وَيَلْزَمُ مَا لَزِمَهُ إثْبَاتُهُ وَإِنْ جَمَعَ الْحَالَ الْحَسَنَةَ وَالْعَقْلَ لَمْ يَقِفْهُ وَلَمْ يُفَرِّقْهُمْ, وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ مَسَائِلِهِ جَامِعِينَ لِلْعَفَافِ فِي الطُّعْمَةِ وَالْأَنْفُسِ وَافِرِي الْعُقُولِ بُرَآءَ مِنْ الشَّحْنَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ أَوْ الْحَيْفِ عَلَى أَحَدٍ بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالْمُمَاطَلَةِ لِلنَّاسِ وَأَنْ يَكُونُوا جَامِعِينَ لِلْأَمَانَةِ فِي أَدْيَانِهِمْ وَأَنْ يَكُونُوا أَهْلَ عُقُولٍ لاَ يتغفلون بِأَنْ يَسْأَلُوا الرَّجُلَ عَنْ عَدُوِّهِ لِيُخْفِيَ حَسَنًا وَيَقُولَ قَبِيحًا فَيَكُونَ ذَلِكَ جَرْحًا عِنْدَهُمْ أَوْ يَسْأَلُوهُ عَنْ صَدِيقِهِ فَيُخْفِيَ قَبِيحًا وَيَقُولَ حَسَنًا فَيَكُونَ ذَلِكَ تَعْدِيلاً عِنْدَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَيَحْرِصُ الْحَاكِمُ عَلَى أَنْ لاَ يَعْرِفَ لَهُ صَاحِبَ مَسْأَلَةٍ فَيَحْتَالَ لَهُ. (قَالَ) وَأَرَى أَنْ يَكْتُبَ لِأَهْلِ الْمَسَائِلِ صِفَاتِ الشُّهُودِ عَلَى مَا وَصَفْت وَأَسْمَاءَ مَنْ شَهِدُوا لَهُ وَمَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ وَقَدْرَ مَا شَهِدُوا فِيهِ ثُمَّ لاَ يَسْأَلُونَ أَحَدًا عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرَهُ بِمَنْ شَهِدُوا لَهُ, وَشَهِدُوا عَلَيْهِ وَقَدْرَ مَا شَهِدُوا فِيهِ فَإِنَّ الْمَسْئُولَ عَنْ الرَّجُلِ قَدْ يَعْرِفُ مَا لاَ يَعْرِفُ الْحَاكِمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ حَنَقًا عَلَيْهِ أَوْ شَرِيكًا فِيمَا شَهِدَ فِيهِ وَتَطِيبُ نَفْسُهُ عَلَى تَعْدِيلِهِ فِي الْيَسِيرِ وَيَقِفُ فِي الْكَثِيرِ, وَلاَ يَقْبَلُ تَعْدِيلَهُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ وَلاَ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ وَيُخْفِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَسْمَاءَ مَنْ دَفَعَ إلَى الْآخَرِ لِتَتَّفِقَ مَسْأَلَتُهُمَا أَوْ تَخْتَلِفَ فَإِنْ اتَّفَقَتْ بِالتَّعْدِيلِ قَبِلَهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَعَادَهَا مَعَ غَيْرِهِمَا فَإِنْ عُدِّلَ رَجُلٌ وَجُرِحَ لَمْ يَقْبَلْ الْجَرْحَ إلَّا مِنْ شَاهِدَيْنِ وَكَانَ الْجَرْحُ أَوْلَى مِنْ التَّعْدِيلِ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ يَكُونُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْجَرْحَ يَكُونُ عَلَى الْبَاطِنِ. (قَالَ) وَلاَ يَقْبَلُ الْجَرْحَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَقِيهٍ عَاقِلٍ دَيِّنٍ وَلاَ غَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يَقِفَهُ عَلَى مَا يَجْرَحُهُ بِهِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَ الْحَاكِمِ قِبَلَهُ مِنْهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ جَرْحًا عِنْدَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ فَإِنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ وَيَتَبَايَنُونَ فِي الْأَهْوَاءِ فَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْكُفْرِ فَلاَ يَجُوزُ لِحَاكِمٍ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ رَجُلٍ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا أَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلاَ رِضًا وَلَعَمْرِي إنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ كَافِرًا لِغَيْرِ عَدْلٌ, وَكَذَلِكَ يُسَمَّى بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الِاخْتِلاَفِ بِالْفِسْقِ وَالضَّلاَلِ فَيَجْرَحُونَهُمْ فَيَذْهَبُ مَنْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فَيَجْرَحُونَهُمْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ هَذَا بِمَوْضِعِ جَرْحٍ لِأَحَدٍ, وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْرَحُ مَنْ يَسْتَحِلُّ بَعْضَ مَا يُحَرِّمُ هُوَ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَمِنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلاَ يَقْبَلُ الْجَرْحَ إلَّا بِالشَّهَادَةِ مِنْ الْجَارِحِ عَلَى الْمَجْرُوحِ وَبِالسَّمَاعِ أَوْ بِالْعِيَانِ كَمَا لاَ يَقْبَلُهَا عَلَيْهِ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الْحَقِّ وَأَكْثَرُ مَنْ نُسِبَ إلَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ بَغْيًا حَتَّى يَعْتَدَّ الْيَسِيرَ الَّذِي لاَ يَكُونُ جَرْحًا لَقَدْ حَضَرْت رَجُلاً صَالِحًا يَجْرَحُ رَجُلاً مُسْتَهِلًّا بِجَرْحِهِ فَأَلَحَّ عَلَيْهِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَجْرَحُهُ؟ فَقَالَ مَا يَخْفَى عَلَى مَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهِ مَجْرُوحَةً فَلَمَّا قَالَ لَهُ الَّذِي يَسْأَلُهُ عَنْ الشَّهَادَةِ لَسْت أَقْبَلُ هَذَا مِنْك إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ قَالَ رَأَيْته يَبُولُ قَائِمًا قَالَ وَمَا بَأْسَ بِأَنْ يَبُولَ قَائِمًا؟ قَالَ يَنْضَحُ عَلَى سَاقَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَثِيَابِهِ ثُمَّ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يُنْقِيَهُ قَالَ أَفَرَأَيْته فَعَلَ فَصَلَّى قَبْلَ أَنْ يُنْقِيَهُ وَقَدْ نَضَحَ عَلَيْهِ؟ قَالَ لاَ وَلَكِنِّي أَرَاهُ سَيَفْعَلُ. وَهَذَا الضَّرْبُ كَثِيرٌ فِي الْعَالِمِينَ وَالْجَرْحُ خَفِيٌّ فَلاَ يُقْبَلُ لِخَفَائِهِ وَلِمَا وَصَفْت مِنْ الِاخْتِلاَفِ إلَّا بِتَصْرِيحِ الْجَارِحِ وَلاَ يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِأَنْ يُوقِفَهُ الْمُعَدِّلُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ عَدْلٌ عَلَيَّ وَلِي ثُمَّ لاَ يَقْبَلُ ذَلِكَ هَكَذَا حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ بِهِ بَاطِنَةً مُتَقَادِمَةً قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ بِهِ ظَاهِرَةً حَادِثَةً لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى ذَهَبَ النَّاسُ مِنْ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ أَوْ مَنْ ذَهَبَ مِنْهُمْ إلَى أُمُورٍ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَتَبَايَنُوا فِيهَا تَبَايُنًا شَدِيدًا وَاسْتَحَلَّ فِيهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَا تَطُولُ حِكَايَتُهُ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مُتَقَادِمًا مِنْهُ مَا كَانَ فِي عَهْدِ السَّلَفِ وَبَعْدِهِمْ إلَى الْيَوْمِ فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُقْتَدَى بِهِ وَلاَ مِنْ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِتَأْوِيلٍ وَإِنْ خَطَّأَهُ وَضَلَّلَهُ وَرَآهُ اسْتَحَلَّ فِيهِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ وَلاَ رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِشَيْءٍ مِنْ التَّأْوِيلِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ بَلَغَ فِيهِ اسْتِحْلاَلَ الدَّمِ وَالْمَالِ أَوْ الْمُفَرِّطِ مِنْ الْقَوْلِ وَذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا الدِّمَاءَ أَعْظَمَ مَا يُعْصَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَا بَعْدَ الشِّرْكِ وَوَجَدْنَا مُتَأَوِّلِينَ يَسْتَحِلُّونَهَا بِوُجُوهٍ وَقَدْ رَغَّبَ لَهُمْ نُظَرَاؤُهُمْ عَنْهَا وَخَالَفُوهُمْ فِيهَا وَلَمْ يَرُدُّوا شَهَادَتَهُمْ بِمَا رَأَوْا مِنْ خِلاَفِهِمْ فَكُلُّ مُسْتَحِلٍّ بِتَأْوِيلٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَشَهَادَتُهُ مَاضِيَةٌ لاَ تُرَدُّ مِنْ خَطَأٍ فِي تَأْوِيلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِلُّ مَنْ خَالَفَهُ الْخَطَأَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ يُعْرَفُ بِاسْتِحْلاَلِ شَهَادَةِ الزُّورِ عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّهُ يَرَاهُ حَلاَلَ الدَّمِ أَوْ حَلاَلَ الْمَالِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِالزُّورِ أَوْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِلُّ أَوْ يَرَى الشَّهَادَةَ لِلرَّجُلِ إذَا وَثِقَ بِهِ فَيَحْلِفُ لَهُ عَلَى حَقِّهِ وَيَشْهَدُ لَهُ بِالْبَتِّ وَلَمْ يَحْضُرْهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ مِنْ قِبَلِ اسْتِحْلاَلِهِ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ أَوْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ يُبَايِنُ الرَّجُلَ الْمُخَالِفَ لَهُ مُبَايَنَةَ الْعَدَاوَةِ لَهُ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْعَدَاوَةِ فَأَيُّ هَذَا كَانَ فِيهِمْ أَوْ فِي غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لاَ يُنْسَبُ إلَى هَوًى رَدَدْت شَهَادَتَهُ وَأَيُّهُمْ سَلِمَ مِنْ هَذَا أَجَزْت شَهَادَتَهُ وَشَهَادَةَ مَنْ يَرَى الْكَذِبَ شِرْكًا بِاَللَّهِ أَوْ مَعْصِيَةً لَهُ يُوجِبُ عَلَيْهَا النَّارَ أَوْلَى أَنْ تَطِيبَ النَّفْسُ عَلَيْهَا مِنْ شَهَادَةِ مَنْ يُخَفِّفُ الْمَأْثَمَ عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ إذَا كَانُوا مِمَّا يَشْتُمُ قَوْمًا عَلَى وَجْهِ تَأْوِيلٍ فِي شَتْمِهِمْ لاَ عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ وَذَلِكَ أَنَّا إذَا أَجَزْنَا شَهَادَتَهُمْ عَلَى اسْتِحْلاَلِ الدِّمَاءِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ بِشَتْمِ الرِّجَالِ أَوْلَى أَنْ لاَ تُرَدَّ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالشَّتْمُ أَخَفُّ مِنْ الْقَتْلِ فَأَمَّا مَنْ يَشْتُمُ عَلَى الْعَصَبِيَّةِ أَوْ الْعَدَاوَةِ لِنَفْسِهِ أَوْ عَلَى ادِّعَائِهِ أَنْ يَكُونَ مَشْتُومًا مُكَافِئًا بِالشَّتْمِ فَهَذِهِ الْعَدَاوَةُ لِنَفْسِهِ وَكُلُّ هَؤُلاَءِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ عَمَّنْ شَتَمَهُ عَلَى الْعَدَاوَةِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ يَسْأَلُ عَنْ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَيَقُولُ كُفُّوا عَنْ حَدِيثِهِ وَلاَ تَقْبَلُوا حَدِيثَهُ لِأَنَّهُ يَغْلَطُ أَوْ يُحَدِّثُ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ, وَلَيْسَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ عَدَاوَةٌ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْأَذَى الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْقَائِلُ لِهَذَا فِيهِ مَجْرُوحًا عَنْهُ لَوْ شَهِدَ بِهَذَا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ بِعَدَاوَةٍ لَهُ فَتُرَدَّ بِالْعَدَاوَةِ لاَ بِهَذَا الْقَوْلِ, وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنَّهُ لاَ يُبْصِرُ الْفُتْيَا وَلاَ يَعْرِفُهَا فَلَيْسَ هَذَا بِعَدَاوَةٍ وَلاَ غِيبَةٍ إذَا كَانَ يَقُولُهُ لِمَنْ يَخَافُ أَنْ يَتَّبِعَهُ فَيُخْطِئَ بِاتِّبَاعِهِ وَهَذَا مِنْ مَعَانِي الشَّهَادَاتِ وَهُوَ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِأَعْظَمَ مِنْ هَذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا غِيبَةٌ إنَّمَا الْغِيبَةُ أَنْ يُؤْذِيَهُ بِالْأَمْرِ لاَ بِشَهَادَتِهِ لِأَحَدٍ يَأْخُذُ بِهِ مِنْهُ حَقًّا فِي حَدٍّ وَلاَ قِصَاصٍ وَلاَ عُقُوبَةٍ وَلاَ مَالٍ وَلاَ حَدٍّ لِلَّهِ وَلاَ مِثْلُ مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَكُونَ جَاهِلاً بِعُيُوبِهِ فَيَنْصَحَهُ فِي أَنْ لاَ يَغْتَرَّ بِهِ فِي دِينِهِ إذَا أَخَذَ عَنْهُ مِنْ دِينِهِ مَنْ لاَ يُبْصِرُهُ فَهَذَا كُلُّهُ مَعَانِي الشَّهَادَاتِ الَّتِي لاَ تُعَدُّ غِيبَةً
(قَالَ) وَالْمُسْتَحِلُّ لِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُفْتِي بِهَا وَالْعَامِلُ بِهَا مِمَّنْ لاَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُوسِرًا فَنَكَحَ أَمَةً مُسْتَحِلًّا لِنِكَاحِهَا مُسْلِمَةً أَوْ مُشْرِكَةً لِأَنَّا نَجِدُ مِنْ مُفْتِي النَّاسِ وَأَعْلاَمِهِمْ مَنْ يَسْتَحِلُّ هَذَا وَهَكَذَا الْمُسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَالْعَامِلُ بِهِ لِأَنَّا نَجِدُ مِنْ أَعْلاَمِ النَّاسِ مَنْ يُفْتِي بِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَرْوِيه, وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِلُّ لِإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ وَإِنْ خَالَفْنَا النَّاسَ فِيهِ فَرَغِبْنَا عَنْ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يَدْعُنَا هَذَا إلَى أَنْ نَجْرَحَهُمْ وَنَقُولَ لَهُمْ إنَّكُمْ حَلَّلْتُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَأَخْطَأْتُمْ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَيْنَا الْخَطَأَ كَمَا نَدَّعِيه عَلَيْهِمْ وَيَنْسِبُونَ مَنْ قَالَ قَوْلَنَا إلَى أَنَّهُ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
|