الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ, ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ لاَ يُعْتَقُ; لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَبَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَصَارَ لِغَيْرِهِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ يَقَعُ الْعِتْقُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي; لِأَنَّهُ حَلَفَ يَوْمَ حَلَفَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ إنْ كَلَّمْتُ فُلاَنًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ, ثُمَّ كَلَّمَ فُلاَنًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ لاَ يُعْتَقُ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ الْحَالِفِ أَرَأَيْت لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَيَرْجِعُ إلَى الْحَالِفِ, وَقَدْ صَارَ مَوْلًى لِلْمُشْتَرِي؟ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَاهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نَسَبَهُ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ وَجَعَلَهُ ابْنَهُ, ثُمَّ كَلَّمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُكَلِّمَهُ أَبْطَلَ دَعْوَى هَذَا وَنَسَبَهُ وَيَرْجِعُ الْوَلاَءُ إلَى الْأَوَّلِ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ فِي هَذَا يَرْجِعُ الْوَلاَءُ إلَى الْأَوَّلِ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ وَيَبْطُلُ النَّسَبُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا لَيْسَ بِبَيْعِ خِيَارٍ بِشَرْطٍ فَهُوَ حُرٌّ حِينَ عَقَدَ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا زَعَمْتُ أَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتَفَرُّقُهُمَا تَفَرُّقُهُمَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ فَلَمَّا كَانَ لِمَالِك الْعَبْدِ الْحَالِفِ بِعِتْقِهِ إجَازَةُ الْبَيْعِ وَرَدُّهُ كَانَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِلْكُهُ عَنْهُ الِانْقِطَاعَ كُلَّهُ, وَلَوْ ابْتَدَأَ الْعِتْقَ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِعَبْدِهِ الَّذِي بَاعَهُ عَتَقَ فَعَتَقَ بِالْحِنْثِ, وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ بَيْعَ خِيَارٍ كَانَ هَكَذَا عِنْدِي لِأَنِّي أَزْعُمُ أَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخِيَارَ يَجُوزُ مَعَ عَقْدِ الْبَيْعِ لَمْ يُعْتَقْ; لِأَنَّ الصَّفْقَةَ أَخْرَجَتْهُ مِنْ مِلْكِ الْحَالِفِ خُرُوجًا لاَ خِيَارَ لَهُ فِيهِ فَوَقَعَ الْعِتْقُ عَلَيْهِ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَهَكَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغُلاَمِهِ أَنْتَ حُرٌّ لَوْ كَلَّمْتُ فُلاَنًا, أَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَبَاعَهُ وَفَارَقَ الْمُشْتَرِيَ, ثُمَّ كَلَّمَ فُلاَنًا, أَوْ دَخَلَ الدَّارَ لَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّ الْحِنْثَ وَقَعَ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ, وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلاَنًا, ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً, أَوْ وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا, ثُمَّ كَلَّمَ فُلاَنًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلاَقُ الَّذِي حَلَفَ بِهِ لِأَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ, أَلاَ تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ, ثُمَّ كَلَّمَ الْأَوَّلُ فُلاَنًا وَهِيَ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ وَهِيَ تَحْتَ غَيْرِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ; لِأَنَّهُ حَلَفَ بِذَلِكَ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى, وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلاَنًا, ثُمَّ خَالَعَهَا, ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلاَنًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلاَقٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الطَّلاَقَ وَقَعَ وَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ مِلْكِهِ وَهَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا, ثُمَّ كَلَّمَ فُلاَنًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلاَقُ; لِأَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَقَعُ إلَّا عَلَى زَوْجَةٍ وَهِيَ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ, وَلَوْ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا لَمْ يَحْنَثْ بِهَذَا الطَّلاَقِ وَإِنْ كَلَّمَهُ كَلاَمًا جَدِيدًا; لِأَنَّ الْحِنْثَ لاَ يَقَعُ إلَّا مَرَّةً, وَقَدْ وَقَعَ وَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ مِلْكِهِ (قَالَ): وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلاَثًا وَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ يَقَعُ الْعِتْقُ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَالطَّلاَقُ عَلَى الْمَرْأَةِ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُ طَلَّقَ بَعْدَمَا مَلَكَ وَأَعْتَقَ بَعْدَمَا مَلَكَ, وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لاَ طَلاَقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ وَلاَ عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ فَهَذَا إنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الْمِلْكِ كُلِّهِ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتهَا, أَوْ مَلَكْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ صَارَتْ طَالِقًا وَبِهَذَا يَأْخُذُ, أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ, ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ كَانَ حُرًّا فَهَذَا عِتْقُ مَا لَمْ يَمْلِكْ, أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ فَقَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا, ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً, ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ, أَوْ بَعْدَهَا أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ عَلَيْهَا; لِأَنَّهُ حَلَفَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَوَقَعَ الطَّلاَقُ وَهُوَ يَمْلِكُهَا أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ لَهُ إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ, ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَمَا كَانَ يُعْتَقُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لاَ يَقَعُ فِي ذَلِكَ عِتْقٌ وَلاَ طَلاَقٌ إلَّا أَنْ يُوَقِّتَ وَقْتًا فَإِنْ وَقَّتَ وَقْتًا فِي سِنِينَ مَعْلُومَةٍ, أَوْ قَالَ مَا عَاشَ فُلاَنٌ, أَوْ فُلاَنَةُ, أَوْ وَقَّتَ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَارِ, أَوْ مَدِينَةً, أَوْ قَبِيلَةً لاَ يَتَزَوَّجُ وَلاَ يَشْتَرِي مِنْهَا مَمْلُوكًا فَإِنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يُوقِعُ عَلَى هَذَا الطَّلاَقَ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فَإِنَّهُ يُوقِعُ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِ الْوَقْتِ, وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَالَ إذَا وَقَّتَ وَقْتًا, أَوْ قَبِيلَةً, أَوْ مَا عَاشَتْ فُلاَنَةُ وَقَعَ. إذَا قَالَ الرَّجُلُ إنْ وَطِئْتُ فُلاَنَةَ فَهِيَ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ لاَ تُعْتَقُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ حَلَفَ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهَا وَبِهِ يَأْخُذُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رحمه الله تعالى يَقُولُ تُعْتَقُ فَإِنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُكِ فَوَطِئْتُكِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ فِي قَوْلِهِمَا جَمِيعًا (قَالَ الرَّبِيعُ) لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله تعالى هَا هُنَا جَوَابٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَعَارَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضًا يَبْنِي فِيهَا وَلَمْ يُوَقِّتْ وَقْتًا, ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ بَعْدَمَا بَنَى فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ نُخْرِجُهُ وَيُقَالُ لِلَّذِي بَنَى اُنْقُضْ بِنَاءَك وَبِهَذَا يَأْخُذُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: الَّذِي أَعَارَهُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْبُنْيَانِ, وَالْبِنَاءُ لِلْمُعِيرِ, وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ شُرَيْحٍ, فَإِنْ وَقَّتَ لَهُ وَقْتًا فَأَخْرَجَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فِي قَوْلِهِمَا جَمِيعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى, وَإِذَا أَعَارَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بُقْعَةً مِنْ الْأَرْضِ يَبْنِي فِيهَا بِنَاءً فَبَنَاهُ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ بِنَائِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا يَوْمَ يُخْرِجُهُ, وَلَوْ وَقَّتَ لَهُ وَقْتًا وَقَالَ أَعَرْتُكَهَا عَشْرَ سِنِينَ وَأَذِنْتُ لَك فِي الْبِنَاءِ مُطْلَقًا كَانَ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ لَوْ قَالَ فَإِنْ انْقَضَتْ الْعَشْرُ السِّنِينَ كَانَ عَلَيْك أَنْ تَنْقُضَ بِنَاءَك كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرَّ إنَّمَا هُوَ غَرَّ نَفْسَهُ (قَالَ): وَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَرْضٍ وَنَخْلٍ أَنَّهَا لَهُ, وَقَدْ أَصَابَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ مِنْ غَلَّةِ النَّخْلِ, وَالْأَرْضِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: الَّذِي كَانَتْ فِي يَدَيْهِ ضَامِنٌ لِمَا أَخَذَ مِنْ الثَّمَرِ وَبِهِ يَأْخُذُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ النَّخْلُ, وَالْأَرْضُ فِي يَدَيْ الرَّجُلِ فَأَقَامَ رَجُلٌ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ, وَقَدْ أَصَابَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ ثَمَرَهَا مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ أُخْرِجَتْ مِنْ يَدَيْهِ وَضَمِنَ ثَمَرَهَا وَمَا أَصَابَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ فَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تُزْرَعُ فَزَرْعُهَا لِلزَّارِعِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَزْرَعْهَا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ (قَالَ): وَإِذَا زَرَعَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: الزَّرْعُ لِلَّذِي كَانَتْ فِي يَدَيْهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ الْأَرْضَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لاَ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ (قَالَ): وَإِذَا أَخَذَ الرَّجُلُ أَرْضَ رَجُلٍ إجَارَةً سَنَةً وَعَمِلَهَا وَأَقَامَ فِيهَا سَنَتَيْنِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ هُوَ ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ الْأَرْضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَيُعْطِي أَجْرَ السَّنَةِ الْأُولَى, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا سَنَةً فَزَرَعَهَا سَنَتَيْنِ فَعَلَيْهِ كِرَاؤُهَا الَّذِي تَشَارَطَا عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَكِرَاءُ مِثْلِهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ, وَلَوْ حَدَثَ عَلَيْهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ حَدَثٌ يُنْقِصُهَا كَانَ ضَامِنًا, وَهَكَذَا الدُّورُ, وَالْعَبِيدُ وَالدَّوَابُّ وَكُلُّ شَيْءٍ اُسْتُؤْجِرَ (قَالَ): وَإِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ كَنْزًا قَدِيمًا فِي أَرْضِ رَجُلٍ, أَوْ دَارِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ هُوَ لِرَبِّ الدَّارِ وَعَلَيْهِ الْخُمُسُ وَلَيْسَ لِلَّذِي وَجَدَهُ مِنْهُ شَيْءٌ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ هُوَ لِلَّذِي وَجَدَهُ وَعَلَيْهِ الْخُمُسُ وَلاَ شَيْءَ لِصَاحِبِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ فِيهِ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ كَنْزًا جَاهِلِيًّا فِي دَارِ رَجُلٍ فَالْكَنْزُ لِرَبِّ الدَّارِ وَفِيهِ الْخُمُسُ, وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكَنْزُ لِمَنْ وَجَدَهُ إذَا وَجَدَهُ فِي مَوْضِعٍ لاَ يَمْلِكُهُ أَحَدٌ, وَإِذَا كَانَ الْكَنْزُ إسْلاَمِيًّا وَلَمْ يُوجَدْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ يُعَرِّفُهُ سَنَةً, ثُمَّ هُوَ لَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْأَجِيرُ, وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي الْأُجْرَةِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا عَمِلَ الْعَمَلَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْرِ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي ادَّعَى أَقَلَّ فَيُعْطِيَهُ إيَّاهُ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمِلَ الْعَمَلَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي كَذَلِكَ فِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدُ: إذَا كَانَ شَيْءٌ مُتَقَارِبٌ قَبِلْتُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ وَأَحْلَفْتُهُ, وَإِذَا تَفَاوَتَ لَمْ أَقْبَلْ وَأَجْعَلُ لِلْعَامِلِ أَجْرَ مِثْلِهِ إذَا حَلَفَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) رحمه الله تعالى: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَجِيرًا فَتَصَادَقَا عَلَى الْإِجَارَةِ وَاخْتَلَفَا كَمْ هِيَ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمَلْ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا الْإِجَارَةَ وَإِنْ كَانَ عَمِلَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا أَجْرَ مِثْلِهِ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى, أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا أَبْطَلْتُ الْعُقْدَةَ وَزَعَمْتُ أَنَّهَا مَفْسُوخَةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ أَسْتَدِلَّ بِالْمَفْسُوخِ عَلَى شَيْءٍ, وَلَوْ اسْتَدْلَلْتُ بِهِ كُنْت لَمْ أُعْمِلْ الْمَفْسُوخَ وَلاَ الصَّحِيحَ عَلَى شَيْءٍ (قَالَ): وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ بَيْتًا شَهْرًا يَسْكُنُهُ فَسَكَنَهُ شَهْرَيْنِ, أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان فَجَاوَزَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ الْأَجْرُ فِيمَا سَمَّى وَلاَ أَجْرَ لَهُ فِيمَا لَمْ يُسَمِّ; لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ وَهُوَ ضَامِنٌ حِينَ خَالَفَ وَلاَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَالْأُجْرَةُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لَهُ الْأَجْرُ فِيمَا سَمَّى وَفِيمَا خَالَفَ إنْ سَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ ذَلِكَ ضَمِنَ وَلاَ نَجْعَلُ عَلَيْهِ أَجْرًا فِي الْخِلاَفِ إذَا ضَمِنَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ إلَى غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَكَارَاهَا إلَيْهِ الْكِرَاءَ الَّذِي تَكَارَاهَا بِهِ وَعَلَيْهِ مِنْ حِينِ تَعَدَّى إلَى أَنْ رَدَّهَا كِرَاءُ مِثْلِهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ, وَإِذَا عَطِبَتْ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي عَطِبَتْ فِيهِ وَقِيمَتُهَا وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ (قَالَ): وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ هُوَ ضَامِنٌ قِيمَةَ الدَّابَّةِ بِحِسَابِ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ تَامًّا إذَا كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ الْمَكَانَ وَبِهِ يَأْخُذُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا تَامَّةً وَلاَ أَجْرَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّابَّةَ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَكَايِيلَ مُسَمَّاةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ مِكْيَالاً فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الدَّابَّةِ كُلِّهَا وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ, وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى يَجْعَلُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ كَأَنَّهُ تَكَارَاهَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَكَايِيلَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ فَيُضَمِّنُهُ سَهْمًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا وَيَجْعَلُ الْأَحَدَ عَشَرَ كُلَّهَا قَتَلَتْهَا, ثُمَّ يَزْعُمُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى أَنَّهُ تَكَارَاهَا مِائَةَ مِيلٍ فَتَعَدَّى بِهَا عَلَى الْمِائَةِ مِيلاً, أَوْ بَعْضَ مِيلٍ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ الدَّابَّةَ كُلَّهَا, وَكَانَ يَنْبَغِي فِي أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْمِائَةَ وَالزِّيَادَةَ عَلَى الْمِائَةِ قَتَلَتْهَا فَيُضَمِّنُهُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلدَّابَّةِ حِينَ تَعَدَّى بِهَا حَتَّى يَرُدَّهَا, وَلَوْ كَانَ الْكِرَاءُ مُقْبِلاً وَمُدْبِرًا فَمَاتَتْ فِي الْمِائَةِ مِيلٍ وَإِذَا غَرِقَتْ سَفِينَةُ الْمَلَّاحِ فَغَرِقَ الَّذِي فِيهَا, وَقَدْ حَمَلَهُ بِأَجْرٍ فَغَرِقَتْ مِنْ مَدِّهِ, أَوْ مُعَالَجَتِهِ السَّفِينَةَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ هُوَ ضَامِنٌ وَبِهِ يَأْخُذُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَدِّ خَاصَّةً قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي يُفْعَلُ بِمِثْلِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ, وَإِذَا تَعَدَّى ذَلِكَ ضَمِنَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ, أَوْ شِقْصٌ قَلِيلٌ فِي دَارٍ لاَ يَكُونُ بَيْتًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ أَيُّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ وَأَبَى صَاحِبُهُ قُسِمَتْ لَهُ, أَلاَ تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لاَ يُقْسَمُ شَيْءٌ مِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ, أَوْ الْبَيْتُ بَيْنَ شُرَكَاءَ فَسَأَلَ أَحَدُهُمْ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَسْأَلْ ذَلِكَ مَنْ بَقِيَ فَإِنْ كَانَ يَصِلُ إلَيْهِ بِالْقَسْمِ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِنْ قَلَّتْ الْمَنْفَعَةُ قُسِمَ لَهُ وَإِنْ كُرْهٌ أَصَابَهُ, وَإِنْ كَانَ لاَ يَصِلُ إلَيْهِ مَنْفَعَةٌ وَلاَ إلَى أَحَدٍ لَمْ يُقْسَمْ لَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَتَى الرَّجُلُ إلَى الْإِمَامِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَدْ سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ عِنْدَ فَرَاغِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: يَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقْضِي وَلاَ يُكَبِّرُ مَعَهُ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَيْسَ مِنْ الصَّلاَةِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَهَا وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْضِي. (قَالَ): وَإِذَا صَلَّى الرَّجُلُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَحْدَهُ أَوْ الْمَرْأَةُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: لاَ تَكْبِيرَ عَلَيْهِ وَلاَ تَكْبِيرَ عَلَى مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ مِصْرٍ جَامِعٍ وَلاَ تَكْبِيرَ عَلَى الْمُسَافِرِينَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ عَلَيْهِمْ التَّكْبِيرُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: التَّكْبِيرُ عَلَى الْمُسَافِرِينَ وَعَلَى الْمُقِيمِينَ وَعَلَى الَّذِي يُصَلِّي وَحْدَهُ وَفِي جَمَاعَةٍ وَعَلَى الْمَرْأَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ مُجَالِدٌ عَنْ عَامِرٍ مِثْلُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلاَةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَكَبَّرَ لَمْ يُكَبِّرْ الْمَسْبُوقُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلاَةِ وَقَضَى الَّذِي عَلَيْهِ فَإِذَا سَلَّمَ كَبَّرَ وَذَلِكَ أَنَّ التَّكْبِيرَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَيْسَ مِنْ الصَّلاَةِ إنَّمَا هُوَ ذِكْرٌ بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَتَّبِعُ الْإِمَامَ فِيمَا كَانَ مِنْ الصَّلاَةِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الصَّلاَةِ وَيُكَبِّرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا وَغَيْرَ مُنْفَرِدٍ وَالرَّجُلُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ. وَإِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَكَبَّرَ مَعَهُ ثُمَّ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ يَسْجُدُ مَعَهُ وَلاَ يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيَحْتَسِبُ بِذَلِكَ مِنْ صَلاَتِهِ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى يَنْهَى عَنْ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَيُحَدِّثُ بِهِ عَنْ: {رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْنُتْ إلَّا شَهْرًا وَاحِدًا حَارَبَ حَيًّا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَنَتَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ} وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه لَمْ يَقْنُتْ حَتَّى لَحِقَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه لَمْ يَقْنُتْ فِي سَفَرٍ وَلاَ فِي حَضَرٍ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يَقْنُتْ وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه لَمْ يَقْنُتْ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما لَمْ يَقْنُتْ وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ أُنْبِئْت أَنَّ إمَامَكُمْ يَقُومُ لاَ قَارِئَ قُرْآنٍ وَلاَ رَاكِعَ يَعْنِي بِذَلِكَ الْقُنُوتَ وَأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَنَتَ فِي حَرْبٍ يَدْعُو عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخَذَ أَهْلُ الْكُوفَةِ عَنْهُ ذَلِكَ وَقَنَتَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ يَدْعُو عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه فَأَخَذَ أَهْلُ الشَّامِ عَنْهُ ذَلِكَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رحمه الله تعالى يَرَى الْقُنُوتَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ فِي الْفَجْرِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَنَتَ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ " اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ نَشْكُرُك وَلاَ نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُك اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ " وَكَانَ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه بِهَذَا الْحَدِيثِ وَيُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَنَتَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَلَمْ يَرْكَعْ حَتَّى يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ السُّجُودِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ رُكُوعَهُ وَلَوْ رَكَعَ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهَا مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقْرَأْ لَهَا فَيَكُونُ صَلَّى لِنَفْسِهِ فَقَرَأَ وَلاَ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَقْنُتُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ: {قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَتْرُكْ} عَلِمْنَاهُ الْقُنُوتَ فِي الصُّبْحِ قَطُّ وَإِنَّمَا: {قَنَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَهُ قَتْلُ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ خَمْسَ عَشَرَ لَيْلَةً يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا ثُمَّ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا} فَأَمَّا فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ فَلاَ أَعْلَمُ أَنَّهُ تَرَكَهُ بَلْ نَعْلَمُ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الصُّبْحِ قَبْلَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَبَعْدُ وَقَدْ قَنَتَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم كُلُّهُمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَعُثْمَانُ رضي الله عنه فِي بَعْضِ إمَارَتِهِ ثُمَّ قُدِّمَ الْقُنُوتُ عَلَى الرُّكُوعِ وَقَالَ لِيُدْرِكَ مَنْ سُبِقَ بِالصَّلاَةِ الرَّكْعَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ صَلاَةَ الْخَوْفِ مُسَافِرًا جَعَلَ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا يَقْرَأُ وَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَكَبَّرُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ فَإِذَا جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ قَامُوا فَصَلَّوْا الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ ثُمَّ جَلَسُوا فَتَشَهَّدُوا فَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ قَدْ قَضَوْا تَشَهُّدَهُمْ سَلَّمَ بِهِمْ وَبِهَذَا الْمَعْنَى صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الْخَوْفِ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ خِلاَفُ هَذَا وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَ الْعَدُوُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ لاَ حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَلاَ سُتْرَةَ وَحَيْثُ لاَ يَنَالُهُ النَّبْلُ وَكَانَ الْعَدُوُّ قَلِيلاً مَأْمُونِينَ وَأَصْحَابُهُ كَثِيرًا وَكَانُوا بَعِيدًا مِنْهُ لاَ يَقْدِرُونَ فِي السُّجُودِ عَلَى الْغَارَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرُوا إلَى الرُّكُوبِ وَالِامْتِنَاعِ: صَلَّى بِأَصْحَابِهِ كُلِّهِمْ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا كُلُّهُمْ وَإِذَا رَفَعَ رَفَعُوا كُلُّهُمْ وَإِذَا سَجَدَ سَجَدُوا كُلُّهُمْ إلَّا صَفًّا يَكُونُونَ عَلَى رَأْسِهِ قِيَامًا فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ فَاسْتَوَى قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا فِي مَثْنًى اتَّبَعُوهُ فَسَجَدُوا ثُمَّ قَامُوا بِقِيَامِهِ وَقَعَدُوا بِقُعُودِهِ وَهَكَذَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ بِعُسْفَانَ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَكَانَ خَالِدٌ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ مُنْتَبِذًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحْرَاءَ مَلْسَاءَ لَيْسَ فِيهَا جَبَلٌ وَلاَ شَجَرٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَلَمْ يَكُنْ خَالِدٌ فِيمَا نَرَى يَطْمَعُ بِقِتَالِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ طَلِيعَةً يَأْتِي بِخَبَرِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ فِي صَلاَةٍ لاَ يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ عَمْدًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: قَدْ أَسَاءَ وَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: يُعِيدُ بِهِمْ الصَّلاَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ خَافَتْ فِي الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَقَدْ أَسَاءَ إنْ كَانَ عَمْدًا. وَإِذَا صَلَّى الرَّجُلُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يُسَلِّمْ فِيهَا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: أَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يُسَلِّمَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ النَّافِلَةِ سَوَاءٌ يُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ, وَهَكَذَا جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ وَقَدْ يُرْوَى عَنْهُ خَبَرٌ يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ فِي صَلاَةِ النَّهَارِ وَلَوْ لَمْ يُثْبِتْ كَانَ إذْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ كَانَ مَعْقُولاً فِي الْخَبَرِ عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَلاَ تَخْتَلِفُ النَّافِلَةُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَمَا لاَ تَخْتَلِفُ الْمَكْتُوبَةُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ كُلُّهَا (قَالَ): وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النَّافِلَةُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَالتَّكْبِيرُ عَلَى الْجَنَائِزِ أَرْبَعٌ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا حَفِظَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ أَنَّهُ كَبَّرَ إلَّا أَرْبَعًا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكَبِّرُ عَلَى الْجَنَائِزِ أَرْبَعًا وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُكَبِّرُ خَمْسًا عَلَى الْجَنَائِزِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَجْهَرُ فِي الصَّلاَةِ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَبْلَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَقَبْلَ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَإِنْ جَمَعَ فِي رَكْعَةٍ سُوَرًا جَهَرَ بِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَبْلَ كُلِّ سُورَةٍ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى يَكْرَهُ أَنْ يَجْهَرَ بِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: إذَا جَهَرْت فَحَسَنٌ وَإِذَا أَخْفَيْت فَحَسَنٌ. (قَالَ): وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ مِنْ حَدَثٍ ثُمَّ نَزَعَ الْخُفَّيْنِ قَالَ: يُصَلِّي كَمَا هُوَ وَحَدَّثَ بِذَلِكَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: لاَ يُصَلِّي حَتَّى يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَقَدْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ نَزَعَهُمَا أَحْبَبْت لَهُ أَنْ لاَ يُصَلِّيَ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الْوُضُوءَ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ إذَا اُنْتُقِضَتْ عَنْ عُضْوٍ احْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا فَإِذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ إلَى السُّوقِ ثُمَّ دُعِيَ لِجِنَازَةٍ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى. وَذَكَرَ عَنْ الْحَكَمِ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لاَ بَأْسَ بَعْدَ الْآيِ فِي الصَّلاَةِ (قَالَ): وَلَوْ تَرَكَ عَدَّ الْآيِ فِي الصَّلاَةِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَعُدُّهَا عَقْدًا وَلاَ يَلْفِظُ بِعَدَدِهَا لَفْظًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنْ لَفَظَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَفْظًا فَقَالَ: وَاحِدَةٌ وَثِنْتَانِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَلاَتِهِ انْتَقَضَتْ صَلاَتُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ. قَالَ وَإِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ بَعْضَ وُضُوئِهِ ثُمَّ لَمْ يُتِمَّهُ حَتَّى جَفَّ مَا قَدْ غَسَلَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: يُتِمُّ مَا قَدْ بَقِيَ وَلاَ يُعِيدُ عَلَى مَا مَضَى وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: إنْ كَانَ فِي طَلَبِ الْمَاءِ أَوْ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ فِي عَمَلِ غَيْرِ ذَلِكَ أَعَادَهُ عَلَى مَا جَفَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَرَأَيْت الْمُسْلِمِينَ جَاءُوا بِالْوُضُوءِ مُتَتَابِعًا نَسَقًا عَلَى مِثْلِ مَا تَوَضَّأَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ جَاءَ بِهِ كَذَلِكَ وَلَمْ يَقْطَعْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ انْقِطَاعِ الْمَاءِ وَطَلَبِهِ بَنَى عَلَى وُضُوئِهِ وَمَنْ قَطَعَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَتَطَاوَلَ ذَلِكَ فَيَكُونُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ أَخَذَ فِي عَمَلِ غَيْرِهِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَإِنْ أَتَمَّ مَا بَقِيَ أَجْزَأَهُ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ مِنْ التُّرَابِ فِي الصَّلاَةِ حَتَّى يَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ فِي الصَّلاَةِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى: لاَ يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ تَرَكَ الْمُصَلِّي مَسْحَ وَجْهِهِ مِنْ التُّرَابِ حَتَّى يُسَلِّمَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ عَلَى النَّاسِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِيمَا فِي يَدَيْهِ حَتَّى يُخْرِجَ دَيْنَهُ فَيُزَكِّيهِ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: عَلَيْهِ فِيمَا فِي يَدَيْهِ الزَّكَاةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلَهُ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ فَإِنْ قَبَضَهُ زَكَّى مِمَّا فِي يَدَيْهِ وَإِنْ تَلِفَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ (قَالَ الرَّبِيعُ): آخِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَتْ فِي يَدَيْهِ أَلْفٌ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ (قَالَ الرَّبِيعُ): مِنْ قِبَلِ أَنَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ إنْ تَلِفَ كَانَ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا فَلَمَّا كَانَتْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا مَالاً مِنْ مَالِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} كَانَتْ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ, قَالَ: وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: زَكَاةُ الدَّيْنِ عَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى: بَلْ هِيَ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي هُوَ لَهُ إذَا خَرَجَ كَذَلِكَ بَلَغْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَبِهَذَا يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَقَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِي يَدَيْ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ فَتَرَكَهُ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ كَمَالٍ لَهُ وَدِيعَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ سَيُفْلِسُ لَهُ بِهِ أَوْ كَانَ مُتَغَيِّبًا عَنْهُ فَعَلَيْهِ إذَا كَانَ حَاضِرًا طَلَبَهُ مِنْهُ بِأَلَحِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِذَا نَضَّ فِي يَدَيْهِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى فِي يَدَيْهِ مِنْ السِّنِينَ فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهَكَذَا إذَا كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مُتَغَيِّبًا عَنْهُ. قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ أَرْضٌ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِيهَا عُشْرٌ لاَ يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: عَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ مَعَ الْخَرَاجِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا زَرَعَ الرَّجُلُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ فِي زَرْعِهَا الْعُشْرُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي زَرْعِ أَرْضٍ لِرَجُلٍ تَكَارَاهَا مِنْهُ, وَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَوْ هِيَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ,. قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أُخْرِجَتْ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالذُّرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْغَلَّةِ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ حُزْمَةً مِنْ بَقْلٍ وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عُشْرٌ إلَّا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالثَّمَرِ وَالزَّبِيبِ وَلاَ يَكُونُ فِيهِ الْعُشْرُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا وَالْوَسْقُ عِنْدَنَا سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ مَخْتُومٌ بِالْحَجَّاجِي وَهُوَ رُبْعٌ بِالْهَاشِمِيِّ الْكَبِيرِ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَالْمُدُّ رِطْلاَنِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى: لَيْسَ فِي الْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ عُشْرٌ وَلاَ أَرَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عُشْرًا إلَّا الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَالْحُبُوبَ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا زَرَعَ الرَّجُلُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يُخْرِجَ مِنْهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِمَّا أَخْرَجَتْ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ وَذَلِكَ ثَلَثُمِائَةِ صَاعٍ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَيْسَ فِي الْخُضَرِ زَكَاةٌ وَالزَّكَاةُ فِيمَا اُقْتِيتَ وَيَبِسَ وَادُّخِرَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحُبُوبِ الَّتِي فِي هَذَا الْمَعْنَى الَّتِي يُنْبِتُ النَّاسُ. قَالَ: وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ إحْدَى وَأَرْبَعُونَ بَقَرَةً فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ بَقَرَةً وَأَظُنُّهُ حَدَّثَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لاَ شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ بَقَرَةً وَبِهِ يَأْخُذُ وَبَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لاَ شَيْءَ فِي الْأَوْقَاصِ} وَالْأَوْقَاصُ عِنْدَنَا مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَيْسَ فِي الْبَقَرِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاَثِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلاَثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ ثُمَّ لَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلاَثِينَ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ ثُمَّ لَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ ثُمَّ لَيْسَ فِي الْفَضْلِ عَلَى السِّتِّينَ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ سَبْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ سَبْعِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ ثُمَّ لَيْسَ فِي الْفَضْلِ عَلَى السَّبْعِينَ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ ثَمَانِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ الثَّمَانِينَ فَفِيهَا مُسِنَّتَانِ ثُمَّ هَكَذَا صَدَقَتُهَا وَكُلُّ صَدَقَةٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ فَلاَ شَيْءَ فِيهَا فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ وَكُلُّ مَا كَانَ فَوْقَ الْفَرْضِ الْأَسْفَلِ لَمْ يَبْلُغْ الْفَرْضَ الْأَعْلَى فَالْفَضْلُ فِيهِ عَفْوَ صَدَقَتِهِ صَدَقَةَ الْأَسْفَلِ. قَالَ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: فِي الزَّكَاةِ يُضَيِّفُ أَقَلَّ الصِّنْفَيْنِ إلَى أَكْثَرِهِمَا ثُمَّ يُزَكِّيه إنْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ تُقَوَّمُ الدَّرَاهِمُ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَجْمَعُهَا جَمِيعًا فَتَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالاً مِنْ الذَّهَبِ فَيُزَكِّيهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالاً نِصْفُ مِثْقَالٍ فَمَا زَادَ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ فَيَكُونُ فِيهَا عُشْرُ مِثْقَالٍ. وَإِذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ قَوَّمَ الدَّنَانِيرَ دَرَاهِمَ وَأَضَافَهَا إلَى الدَّرَاهِمِ فَتَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلاَ شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا بَلَغَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ زَادَتْ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ دِرْهَمٌ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الذَّهَبُ عِشْرِينَ مِثْقَالاً وَتَبْلُغُ الْفِضَّةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلاَ يُضِيفُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَيَقُولُ: هَذَا مَالٌ مُخْتَلِفٌ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ لَهُ ثَلاَثُونَ شَاةً وَعِشْرُونَ بَقَرَةً وَأَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ فَلاَ يُضَافُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْ الدِّرْهَمِ وَالْعِشْرِينَ الْمِثْقَالِ مِنْ شَيْءٍ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ فِي الزِّيَادَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه: لَيْسَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى: لاَ يُقَوَّمُ الذَّهَبُ وَلاَ الْفِضَّةُ إنَّمَا الزَّكَاةُ عَلَى وَزْنِهِ جَاءَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ إنْ كَانَ لَهُ مِنْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مِثْقَالاً ذَهَبًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةٌ وَلَوْ كَانَ قِيمَتُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا جَاءَ فِي عِشْرِينَ مِثْقَالاً وَلَوْ كَانَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا لَمْ يُزَكِّهِ حَتَّى يَكُونَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا كَمُلَ مِنْ الْأُخْرَى أَوْجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ نِصْفٌ مِنْ هَذَا وَنِصْفٌ مِنْ هَذَا فَفِيهِ الزَّكَاةُ فَيُضِيفُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُخْرِجُهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَإِنْ شَاءَ زَكَّى الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِحِصَّتِهِمَا أَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ أَجْزَأَهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ مَثَاقِيلَ زَكَّى الْمِائَتَيْ الدِّرْهَمِ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَزَكَّى الْعَشَرَةَ مَثَاقِيلَ بِرُبْعِ مِثْقَالٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا وَلاَ يَضُمُّ الذَّهَبَ إلَى الْوَرِقَ وَهُوَ صِنْفٌ غَيْرُهَا يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ كَمَا لاَ يَضُمُّ التَّمْرَ إلَى الزَّبِيبِ وَلَلتَّمْرُ بِالزَّبِيبِ أَشْبَهُ مِنْ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَأَقْرَبُ ثَمَنًا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَكَمَا لاَ تَضُمُّ الْإِبِلَ إلَى الْبَقَرِ وَلاَ الْبَقَرَ إلَى الْغَنَمِ, قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ يُضِيفُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُزَكِّيه كُلَّهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هَذَانِ مَالاَنِ مُخْتَلِفَانِ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَلاَ تَجِبُ عَلَى الذَّهَبِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِيهِ الزَّكَاةُ كُلِّهِ أَلاَ تَرَى أَنَّ التَّاجِرَ يَكُونُ لَهُ الْمَتَاعُ لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ مُخْتَلِفٌ فَيُقَوِّمُهُ وَيُضِيفُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُزْكِيه وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَقَدْ بَلَغْنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلاً تَاجِرًا أَنْ يُقَوِّمَ تِجَارَتَهُ عِنْدَ الْحَوْلِ فَيُزَكِّيهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ مِثْقَالاً زَكَّى الْمِائَتَيْنِ وَلَمْ يُزْكِ عُشْرَ مِثْقَالاً كَمَا يَكُونُ لَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ تَمْرًا وَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَبِيبًا إلَّا صَاعًا فَيُزَكِّي التَّمْرَ وَلاَ يُزَكِّي الزَّبِيبَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا اكْتَحَلَ الرَّجُلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَكْرَهُ أَنْ يَدْهُنَ شَارِبَهُ بِدُهْنٍ يَجِدُ طَعْمَهُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى لاَ بَأْسَ أَنْ يَكْتَحِلَ الصَّائِمُ وَيَدْهُنَ شَارِبَهُ وَرَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَقَدَمَيْهِ وَجَمِيعَ بَدَنِهِ بِأَيِّ دُهْنٍ شَاءَ غَالِيَةً أَوْ غَيْرَ غَالِيَةٍ. وَإِذَا صَامَ الرَّجُلُ يَوْمًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَشَكَّ أَنَّهُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى قَالَ: يُجْزِيه وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لاَ يُجْزِيهِ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مَكَانَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ يَوْمَ الشَّكِّ مِنْ رَمَضَانَ وَقَدْ بَيَّتَ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَهَذِهِ نِيَّةٌ كَامِلَةٌ تُؤَدِّي عَنْهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ إنْ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْطَرَ (قَالَ الرَّبِيعُ): قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُوَضَّحٍ آخَرَ لاَ يُجْزِيه لِأَنَّهُ صَامَ عَلَى الشَّكِّ. , وَإِذَا أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ حَاضَتْ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ مَرِضَ الرَّجُلُ فِي آخَرِ يَوْمِهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فَقَدْ قِيلَ: عَلَى الرَّجُلِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَقِيلَ: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا سَافَرَ فَإِنَّ عَلَيْهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ يُحْدِثُهُ. (قَالَ): وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مِنْ كَفَّارَةِ إفْطَارٍ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: ذَانِكَ الشَّهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَهُمَا إلَّا مُتَتَابِعَيْنِ وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَيْسَا بِمُتَتَابِعَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُجَامِعُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِتْقًا فَصَامَ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ إلَّا شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَلاَ يُجْزِي عَنْهُ الصَّوْمُ وَلاَ الصَّدَقَةُ وَهُوَ يَجِدُ عِتْقًا. (قَالَ): وَإِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ لِلصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ حِينَ تَوَضَّأَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إذَا تَوَضَّأَ لِصَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: إذَا تَوَضَّأَ لِصَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ تَوَضَّأَ لِصَلاَةِ تَطَوُّعٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ لِلصَّلاَةِ وَهُوَ صَائِمٌ فَتَمَضْمَضَ وَدَخَلَ الْمَاءُ جَوْفَهُ وَهُوَ نَاسٍ لِصَوْمِهِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَوْ شَرِبَ وَهُوَ نَاسٍ لَمْ يَنْقُضْ ذَلِكَ صَوْمَهُ وَإِذَا كَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَدَخَلَ الْمَاءُ جَوْفَهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ احْتِيَاطًا وَأَمَّا الَّذِي يَلْزَمُهُ فَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ حَتَّى يَكُونَ أَحْدَثَ شَيْئًا مِنْ ازْدِرَادٍ أَوْ فَعَلَ فِعْلاً لَيْسَ لَهُ دَخَلَ بِهِ الْمَاءُ جَوْفَهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ إنَّمَا أَرَادَ الْمَضْمَضَةَ فَسَبَقَهُ شَيْءٌ فِي حَلْقِهِ بِلاَ إحْدَاثِ ازْدِرَادٍ. تَعَمَّدَ بِهِ الْمَاءُ إلَّا إدْخَالَ النَّفَسِ وَإِخْرَاجَهُ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ وَهَذَا خَطَأٌ فِي مَعْنَى النِّسْيَانِ أَوْ أَخَفُّ مِنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى يَقُولُ لاَ تُشْعِرُ الْبُدُنَ وَيَقُولُ: الْإِشْعَارُ مُثْلَةٌ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: الْإِشْعَارُ فِي السَّنَامِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَتُشْعَرُ الْبُدُنُ فِي أَسْنِمَتِهَا وَالْبَقَرُ فِي أَسْنِمَتِهَا أَوْ مَوَاضِعِ الْأَسْنِمَةِ وَلاَ تُشْعَرُ الْغَنَمُ وَالْإِشْعَارُ فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَكَذَلِكَ: {أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما عَنْ: {النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَشْعَرَ فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ} وَبِذَلِكَ تَرَكْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ: لاَ يُشْعَرُ إلَّا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَشْعَرَ فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما كَانَ لاَ يُبَالِي فِي أَيِّ الشِّقَّيْنِ أَشْعَرَ فِي الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ. قَالَ: وَإِذَا أَهَّلَ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا فَقَدِمَ مَكَّةَ وَقَضَاهَا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه كَانَ يَقُولُ: يُجْزِيهِ أَنْ يَقْضِيَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لاَ يُجْزِيهِ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَّا مِنْ مِيقَاتِ بِلاَدِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَهَّلَ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ مِنْ مِيقَاتٍ فَأَفْسَدَهَا فَلاَ يُجْزِيهِ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَبْتَدَأَ مِنْهُ الْعُمْرَةَ الَّتِي أَفْسَدَهَا وَلاَ نَعْلَمُ الْقَضَاءَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ إلَّا بِعَمَلٍ مِثْلِهِ فَأَمَّا عَمَلٌ أَقَلُّ مِنْهُ فَهَذَا قَضَاءٌ لِبَعْضٍ دُونَ الْكُلِّ وَإِنَّمَا يُجْزِي قَضَاءُ الْكُلِّ لاَ الْبَعْضِ وَمَنْ قَالَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهَا خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ دَخَلَ عَلَيْهِ خِلاَفُ مَا وَصَفْنَا مِنْ الْقِيَاسِ وَخِلاَفُ الْآثَارِ وَقَدْ ظَنَنْت أَنَّهُ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى أَنَّ: {عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها إنَّمَا كَانَتْ مُهِلَّةً بِعُمْرَةٍ وَأَنَّهَا رَفَضَتْ الْعُمْرَةَ وَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ تَقْضِيَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ} وَهَذَا لَيْسَ كَمَا رُوِيَ إنَّمَا أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَكَانَتْ قَارِنَةً وَإِنَّمَا كَانَتْ عُمْرَتُهَا شَيْئًا اسْتَحَبَّتْهُ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فَاعْتَمَرَتْ لاَ أَنَّ عُمْرَتَهَا كَانَتْ قَضَاءً. وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ شَيْئًا سِوَى السَّمَكِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه كَانَ يَقُولُ: لاَ خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ سِوَى السَّمَكِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لاَ بَأْسَ بِصَيْدِ الْبَحْرِ كُلِّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَصِيدَ الْمُحْرِمُ جَمِيعَ مَا كَانَ مَعَاشُهُ فِي الْمَاءِ مِنْ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبِرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ: طَعَامُهُ كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ وَهُوَ شِبْهُ مَا قَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه عَنْ حَشِيشِ الْحَرَمِ فَقَالَ أَكْرَهُ أَنْ يُرْعَى مِنْ حَشِيشِ الْحَرَمِ شَيْئًا أَوْ يُحْتَشَّ مِنْهُ. قَالَ وَسَأَلْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُحْتَشَّ مِنْ الْحَرَمِ وَيُرْعَى مِنْهُ قَالَ وَسَأَلْت الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُرْعَى وَكَرِهَ أَنْ يُحْتَشَّ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُرْعَى نَبَاتُ الْحَرَمِ شَجَرُهُ وَمَرْعَاهُ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يُحْتَشَّ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الَّذِي: {حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ أَنْ يُخْتَلَى خَلاَهَا إلَّا الْإِذْخِرَ} وَالِاخْتِلاَءُ الِاحْتِشَاشُ نَتْفًا وَقَطْعًا وَحَرَّمَ أَنْ يُعْضَدَ شَجَرُهَا وَلَمْ يُحَرِّمْ أَنْ يُرْعَى. قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ وَحِجَارَتِهِ إلَى الْحِلِّ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهم أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ وَحِجَارَتِهِ إلَى الْحِلِّ شَيْئًا وَحَدَّثَنَا شَيْخٌ عَنْ رَزِينٍ مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُبْعَثَ إلَيْهِ بِقِطْعَةٍ مِنْ الْمَرْوَةِ يَتَّخِذُهَا مُصَلًّى يَسْجُدُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى لاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَخْرُجَ مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ وَلاَ تُرَابِهِ شَيْءٌ إلَى الْحِلِّ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً ثَبَتَتْ بَايَنَ بِهَا مَا سِوَاهَا مِنْ الْبُلْدَانِ وَلاَ أَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ جَائِزًا لِأَحَدٍ أَنْ يُزِيلَهُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَايَنَ بِهِ الْبُلْدَانَ إلَى أَنْ يَصِيرَ كَغَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَدِمْت مَعَ أُمِّي أَوْ قَالَ جَدَّتِي مَكَّةَ فَأَتَتْهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ فَأَكْرَمَتْهَا وَفَعَلْت بِهَا فَقَالَتْ صَفِيَّةُ: مَا أَدْرَى مَا أُكَافِئُهَا بِهِ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ الرُّكْنِ فَخَرَجَتْ بِهَا فَنَزَلْنَا أَوَّلَ مَنْزِلٍ فَذُكِرَ مِنْ مَرَضِهِمْ وَعِلَّتِهِمْ جَمِيعًا قَالَ: فَقَالَتْ أُمِّي أَوْ جَدَّتِي مَا أَرَانَا أَتَيْنَا إلَّا أَنَّا أَخْرَجْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنْ الْحَرَمِ فَقَالَتْ لِي: وَكُنْت أُمَثِّلُهُمْ انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ إلَى صَفِيَّةَ فَرَدَّهَا وَقُلْ لَهَا إنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ وَضَعَ فِي حَرَمِهِ شَيْئًا فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى فَقَالُوا لِي: فَمَا هُوَ إلَّا أَنْ تَجِينَا دُخُولُك الْحَرَمَ فَكَأَنَّمَا أُنْشِطْنَا مِنْ عَقْلٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ شَيْءٌ إلَى غَيْرِهِ. وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ حَمَامًا مِنْ حَمَامِ الْحَرَمِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: عَلَيْهِ شَاةٌ وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: فِي حَمَامِ الْحَرَمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ شَاةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ حَمَامًا مِنْ حَمَامِهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِمْ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وَقَدْ زَعَمَ الَّذِي قَالَ فِيهِ قِيمَةٌ أَنَّهُ لاَ يُخَالِفُ وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خَالَفَ أَرْبَعَةٌ فِي حَمَامِ مَكَّةَ. وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ الْمُحْرِمِ يُصِيبُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ فِيهِ عَنَاقٌ أَوْ جَفْرَةٌ أَوْ شِبْهُ ذَلِكَ فَقَالَ: لاَ يُجْزِي فِي هَدْيِ الصَّيْدِ إلَّا مَا يُجْزِي فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ الْجَذَعُ بْنُ الضَّأْنِ إذَا كَانَ عَظِيمًا أَوْ الثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ لاَ يُجْزِي مَا دُونَ ذَلِكَ أَلاَ تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} وَسَأَلْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ يُبْعَثُ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَنَاقًا أَوْ حَمَلاً قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: أَخَذَ بِالْأَثَرِ فِي الْعَنَاقِ وَالْجَفْرَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قِيمَتُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ صَيْدًا صَغِيرًا فَدَاهُ بِشَاةٍ صَغِيرَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {مِثْلُ} وَالْمِثْلُ مِثْلُ الَّذِي يُفْدَى فَإِذَا كَانَ كَبِيرًا كَانَ كَبِيرًا وَإِذَا كَانَ الَّذِي يُفْدَى صَغِيرًا كَانَ صَغِيرًا وَلاَ أَعْلَمُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُفْدَى الصَّيْدُ الصَّغِيرُ بِصَغِيرٍ مِثْلِهِ مِنْ الْغَنَمِ إلَّا خَالَفَ الْقُرْآنَ وَالْآثَارَ وَالْقِيَاسَ وَالْمَعْقُولَ وَإِذَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ الصَّيْدَ مُحَرَّمٌ كُلُّهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ تُفْدَى الْجَرَادَةُ بِتَمْرَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ تَمْرَةٍ لِصِغَرِهَا وَقِلَّةِ قِيمَتِهَا وَتُفْدَى بَقَرَةُ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ لِكِبَرِهَا فَكَيْفَ لَمْ يَزْعُمْ أَنَّهُ يُفْدَى الصَّغِيرُ بِالصَّغِيرِ وَقَدْ فَدَى الصَّغِيرَ بِصَغِيرٍ وَالْكَبِيرَ بِكَبِيرٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَجَزَاءُ مِثْلَ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} وَإِنَّمَا رَفَعَ وَخَفَضَ بِالْمِثْلِ عِنْدَهُ فَكَيْفَ يَفْدِي بِتَمْرَةٍ وَلاَ يَفْدِي بِعَنَاقٍ وَمَا لِلضَّحَايَا وَهَدْيُ الْمُتْعَةِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ هَلْ رَآهُ قِيَاسَ جَزَاءِ الصَّيْدِ حِينَ أَصَابَ الْمُحْرِمُ الْبَقَرَةَ بِأَنْ قَالَ: يَكْفِيه شَاةٌ كَمَا يَكْفِي الْمُتَمَتِّعَ أَوْ الْمُضَحِّيَ أَوْ قَاسَهُ حِينَ أَصَابَ الْمُحْرِمُ جَرَادَةً بِأَنْ قَالَ: لاَ يُجْزِي الْمُحْرِمَ إلَّا شَاةٌ كَمَا لاَ يُجْزِي الْمُضَحِّي وَالْمُتَمَتِّعَ إلَّا شَاةٌ فَإِنْ قَالَ: لاَ قِيلَ أَلِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِثْلُ وَإِنَّمَا الْمِثْلُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا عَلَى قَدْرِ الْمُصَابِ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: فَمَا أَضَلُّك عَنْ الْجَفْرَةِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ مَا أُصِيبَ وَإِنْ كُنْت تُقَلِّدُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه وَحْدَهُ فِي أَقْضِيَةٍ لاَ حُجَّةَ لَك فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا تَقْلِيدَهُ فَكَيْفَ خَالَفْتَهُ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَقَدْ قَضَى عُمَرُ رضي الله عنه فِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَقَضَى فِي الضَّبِّ بِجَدْيٍ قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ وَقَضَى ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ أَوْ جَفْرٍ وَقَضَى عُثْمَانُ رضي الله عنه فِي أُمِّ حَبِينٍ بِحِلَّانِ مِنْ الْغَنَمِ يَعْنِي حَمَلاً. وَذُكِرَ عَنْ خُصَيْفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ ثَمَنُهُ وَأَخْبَرَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدَ عَنْ عَامِرٍ مِثْلَهُ وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي الْبَيْضَةِ دِرْهَمٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: قِيمَتُهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ نَعَامٍ أَوْ بَيْضَ حَمَامٍ أَوْ بَيْضًا مِنْ الصَّيْدِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ قِيَاسًا عَلَى الْجَرَادَةِ وَعَلَى مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا وَلِلْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا صَاحِبَهُمْ إنْ شَاءُوا وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا حَتَّى يَكْبُرَ الْأَصَاغِرُ وَبِهِ يَأْخُذُ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما قَتَلَ ابْنَ مُلْجَمٍ بِعَلِيٍّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَكَانَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه أَوْلاَدٌ صِغَارٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ أَوْ كِبَارٌ غُيَّبٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقْتُلَ حَتَّى تَبْلُغَ الصِّغَارُ وَتَحْضُرَ الْغُيَّبُ وَيَجْتَمِعُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي مِيرَاثِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ عَلَى الْقَتْلِ فَإِذَا اجْتَمَعُوا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا فَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعُوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَلِأَيِّهِمْ شَاءَ مِنْ الْبَالِغِينَ الْحُضُورَ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ مِنْ مَالِ الْجَانِي بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْ الْمَقْتُولِ وَإِذَا فَعَلَ كَانَ لِأَوْلِيَاءِ الْغُيَّبِ وَعَلَى أَوْلِيَاءِ الصِّغَارِ أَنْ يَأْخُذُوا لَهُمْ حِصَصَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ حَالَ وَصَارَ مَالاً فَلاَ يَكُونُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَدَعَهُ وَقَدْ أَمْكَنَهُ أَخْذُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ ذَهَبْت إلَى هَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَاوِيلِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَيُّ وُلاَةِ الدَّمِ قَامَ بِهِ قَتَلَ وَإِنْ عَفَا الْآخَرُونَ فَأَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَقْتُلُ الْبَالِغُونَ وَلاَ يَنْتَظِرُونَ الصِّغَارَ وَقَالَ غَيْرُهُ: يَقْتُلُ الْوَلَدُ وَلاَ يَنْتَظِرُونَ الزَّوْجَةَ؟ قِيلَ: ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّهُ السُّنَّةُ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي أَنْ تُخَالَفَ أَوْ فِي مِثْلِ مَعْنَى السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْإِجْمَاعِ. فَإِنْ قَالَ: فَأَيْنَ السُّنَّةُ فِيهِ؟ قِيلَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْقِصَاصَ وَإِنْ أَحَبُّوا فَالدِّيَةُ} فَلَمَّا كَانَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِوُلاَةِ الدَّمِ أَنْ يَقْتُلُوا وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ وَكَانَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الدِّيَةَ مَوْرُوثَةٌ لَمْ يَحِلَّ لِوَارِثٍ أَنْ يَمْنَعَ الْمِيرَاثَ مَنْ وَرِثَ مَعَهُ حَتَّى يَكُونَ الْوَارِثُ يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ وَهَذَا مَعْنَى الْقُرْآنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَوَجَدْنَا مَا خَالَفَهُ مِنْ الْأَقَاوِيلِ لاَ حُجَّةَ فِيهِ لِمَا وَصَفْت مِنْ السُّنَّةِ بِخِلاَفِهِمْ وَوَجَدَتْ مَعَ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ مُتَنَاقِضًا إذْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ امْتَنَعُوا مِنْ أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ مِنْ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ دَمٌ لاَ مَالٌ فَلَوْ زَعَمُوا أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْوَرَثَةِ لَوْ عَفَا حَالَ الدَّمُ مَالاً مَا لَزِمُوا قَوْلَهُمْ وَلَقَدْ نَقَضُوهُ فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا هُوَ كَالْحَدِّ يَقُومُ بِهِ أَيُّ الْوَرَثَةِ شَاءَ وَإِنْ عَفَا غَيْرُهُ فَقَدْ خَالَفُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ الْعَفْوَ عَنْ الْقَتْلِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لاَ عَفْوَ لَهُمْ عَنْ الْحَدِّ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَوْ اصْطَلَحُوا فِي الْقَتْلِ عَلَى الدِّيَةِ جَازَ ذَلِكَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى مَالٍ فِي الْحَدِّ لَمْ يَجْزِ. وَإِذَا اقْتَتَلَ الْقَوْمُ فَانْجَلُوا عَنْ قَتِيلٍ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمْ أَصَابَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا إذَا لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رحمه الله تعالى يَقُولُ: هُوَ عَاقِلَةُ الَّذِينَ اقْتَتَلُوا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ عَلَى غَيْرِ أُولَئِكَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا اقْتَتَلَ الْقَوْمُ فَانْجَلُوا عَنْ قَتِيلٍ فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَلَى طَائِفَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ قَالُوا: قَدْ قَتَلَتْهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لاَ يُدْرَى أَيَّتُهُمَا قَتَلَتْهُ قِيلَ لَهُمْ: إنْ جِئْتُمْ بِمَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ عَلَى إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ بَعْضِهِمْ أَوْ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ قِيلَ لَكُمْ: أَقْسِمُوا عَلَى وَاحِدٍ فَإِنْ لَمْ تَأْتُوا مَالَك فَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ وَمَنْ شِئْتُمْ أَنْ نُحَلِّفَهُ لَكُمْ عَلَى قَتْلِهِ أَحَلَفْنَاهُ وَمَنْ أَحَلَفْنَاهُ أَبْرَأْنَاهُ وَهَكَذَا إنْ كَانَ جَرِيحًا ثُمَّ مَاتَ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ أَوْ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ أَقْبَلْ دَعْوَاهُ فِيمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ الدَّمِ لَمْ أَقْبَلْهَا فِي الدَّمِ وَمَا أَعْرِفُ أَصْلاً وَلاَ فَرْعًا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ تَجِبُ الْقَسَامَةُ بِدَعْوَى الْمَيِّتِ وَمَا الْقَسَامَةُ الَّتِي قَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ إلَّا عَلَى خِلاَفِ مَا قَالَ فِيهَا دَعْوَى وَلاَ لَوْثٌ مِنْ بَيِّنَةٍ. وَإِذَا أُصِيبَ الرَّجُلُ وَبِهِ جِرَاحَةٌ فَاحْتَمَلَ فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه كَانَ يَقُولُ: دِيَتُهُ عَلَى تِلْكَ الْقَبِيلَةِ الَّتِي أُصِيبَ فِيهِمْ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى يَقُولُ: الْقِصَاصُ لِكُلِّ وَارِثٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَجْعَلُ لِكُلِّ وَارِثٍ قِصَاصًا إلَّا الزَّوْجَ وَالْمَرْأَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ وَالْجَدَّةُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَكُلُّ وَارِثٍ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَلَهُ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ وَفِي الدِّيَةِ. وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَبِيلَةٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ وَالْعَقْلُ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ عَلَى السُّكَّانِ وَلاَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ شَيْءٌ وَبِهِ يَأْخُذُ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى بَعْدُ عَلَى الْمُشْتَرِينَ وَالسُّكَّانِ وَأَهْلِ الْخُطَّةِ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: الدِّيَةُ عَلَى السُّكَّانِ وَالْمُشْتَرِينَ مَعَهُمْ وَأَهْلِ الْخُطَّةِ, وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ فِي الدَّارِ فَهُوَ عَلَى أَهْلِ الْقَبِيلَةِ قَبِيلَةُ تِلْكَ الدَّارِ وَالسُّكَّانُ الَّذِينَ فِيهَا فِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى, وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى يَقُولُ: عَلَى عَاقِلَةِ أَرْبَابِ الدُّورِ خَاصَّةً وَإِنْ كَانُوا مُشْتَرِينَ وَأَمَّا السُّكَّانُ فَلاَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى إلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَعْرُوفِ مَا بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ رَجُلٌ فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا وُجِدَ الرَّجُلُ قَتِيلاً فِي دَارِ رَجُلٍ أَوْ أَهْلِ خُطَّةٍ أَوْ سُكَّانٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ عَسْكَرٍ فَكُلُّهُمْ سَوَاءٌ لاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أَوْ بِمَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ فَيُقَسِّمُ الْأَوْلِيَاءُ فَإِذَا ادَّعَى الْأَوْلِيَاءُ عَلَى وَاحِدٍ وَأَلْفٍ أَحَلَفْنَاهُمْ وَأَبْرَأْنَاهُمْ لِأَنَّ: {النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّينَ فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَلَمَّا أَبَوَا أَنْ يَقْبَلُوا أَيْمَانَهُمْ لَمْ يَجْعَلْ عَلَى يَهُودَ شَيْئًا وَقَدْ وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَوَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ مُتَطَوِّعًا}. وَإِذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي هَذَا الْقِصَاصِ وَلاَ قِصَاصَ فِيمَا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلاَ فِيمَا بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلاَ قِصَاصَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ فِي النَّفْسِ وَلاَ غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ وَفِي جَمِيعِ الْجِرَاحَاتِ الَّتِي يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: الْقِصَاصُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْجِرَاحِ وَفِي النَّفْسِ وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَإِذَا كَانُوا يَقُولُونَ: الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ فِي النَّفْسِ وَهِيَ الْأَكْثَرُ كَانَ الْجُرْحُ الَّذِي هُوَ الْأَقَلُّ أَوْلَى لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ النَّفْسَ وَالْجِرَاحَ فِي كِتَابِهِ ذِكْرًا وَاحِدًا وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَلاَ قِصَاصَ بَيْنَهُمْ; وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ رَجُلاً بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: لاَ قِصَاصَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِحَدِيدَةٍ تَمُورُ أَوْ بِشَيْءٍ يَمُورُ فَمَارَ فِيهِ مَوَرَانَ الْحَدِيدِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِذَا أَصَابَهُ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ مَا لاَ يَمُورُ مَوَرَانَ السِّلاَحِ فَأَصْلُهُ شَيْئَانِ إنْ كَانَ ضَرَبَهُ بِالْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي الْأَغْلَبُ مِنْهَا أَنَّهُ لاَ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهَا وَذَلِكَ أَنْ يَشْدَخَ بِهَا رَأْسَهُ أَوْ يَضْرِبَ بِهَا جَوْفَهُ أَوْ خَاصِرَتَهُ أَوْ مَقْتَلاً مِنْ مُقَاتِلِهِ أَوَحَمَلَ عَلَيْهِ الضَّرْبَ بِشَيْءٍ أَخَفَّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ مِنْ ضَرْبِهِ مَا الْأَغْلَبُ عِنْدَ النَّاسِ أَنْ لاَ يُعَاشَ مِنْ مِثْلِهِ قُتِلَ بِهِ وَكَانَ هَذَا عَمْدَ الْقَتْلِ وَزِيَادَةً أَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ بِالْحَدِيدِ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْحَدِيدِ أَوْحَى وَإِنْ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا أَوْ السَّوْقِ أَوْ الْحَجَرِ الضَّرْبَ الَّذِي الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ فَهَذَا الْخَطَأُ شِبْهُ الْعَمْدِ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً وَلاَ قَوَدَ فِيهِ. وَإِذَا عَضَّ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ فَقَلَعَ سِنًّا مِنْ أَسْنَانِ الْعَاضِّ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي السِّنِّ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَقَدْ بَلَغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ: {رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَأَبْطَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ عَضَّ الْفَحْلِ} وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: هُوَ ضَامِنٌ لِدِيَةِ السِّنِّ وَهُمَا يَتَّفِقَانِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَجْنِي فِي الْجَسَدِ سَوَاءٌ فِي الضَّمَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا عَضَّ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ بَعْضَ جَسَدِهِ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ مَا عُضَّ مِنْهُ مَنْ فِي الْعَاضِّ فَسَقَطَ بَعْضُ ثَغْرِهِ أَوْ كُلُّهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْمَعْضُوضِ أَنْ يَنْزِعَ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ وَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالِانْتِزَاعِ فَيَضْمَنُ وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ: {رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ فِي الْعَاضِّ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ أَوْ ثَنِيَّتَاهُ فَأَهْدَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيك تَقْضِمُهَا كَأَنَّهَا فِي فَحْلٍ}. وَإِذَا نَفَحَتْ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا وَهِيَ تَسِيرُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: لاَ ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهُ بَلَغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {الرَّجُلُ جُبَارٌ} وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: هُوَ ضَامِنٌ فِي هَذَا لِمَا أَصَابَتْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى يَضْمَنُ قَائِدُ الدَّابَّةِ وَسَائِقُهَا وَرَاكِبُهَا مَا أَصَابَتْ بِيَدٍ أَوْ فَمٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ ذَنْبٍ وَلاَ يَجُوزُ إلَّا هَذَا وَلاَ يَضْمَنُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى أَنْ تَطَأَ شَيْئًا فَيَضْمَنُ لِأَنَّ وَطْأَهَا مِنْ فِعْلِهِ فَنَكُونُ حِينَئِذٍ كَأَدَاةٍ مِنْ أَدَاتِهِ جَنَى بِهَا فَأَمَّا أَنْ نَقُولَ يَضْمَنُ عَنْ يَدِهَا وَلاَ يَضْمَنُ عَنْ رِجْلِهَا فَهَذَا تَحَكُّمٌ فَإِنْ قَالَ: لاَ يَرَى رِجْلَهَا فَهُوَ إذَا كَانَ سَائِقًا لاَ يَرَى يَدَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي السَّائِقِ يَضْمَنُ عَنْ الرِّجْلِ وَلاَ يَضْمَنُ عَنْ الْيَدِ وَلَيْسَ هَكَذَا بِقَوْلٍ فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّ: {الرِّجْلَ جُبَارٌ} فَهُوَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ لَمْ يَحْفَظُوا هَكَذَا. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ فِي الرَّجُلِ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ: إنَّ قِيمَتَهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لاَ تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ: هُوَ مَالٌ لاَ تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَعَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَ حَالاً قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ خَطَأً عَقَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَعْقِلُ جِنَايَةَ حُرٍّ فِي نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ قَدْ يَكُونُ فِيهَا الْقَوَدُ قَالَ: وَيَكُونُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ كَمَا تَكُونُ فِي الْحُرِّ بِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ بِالنُّفُوسِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْأَمْوَالِ هُوَ لاَ يُجَامِعُ الْأَمْوَالَ فِي مَعْنَى إلَّا فِي أَنَّ دِيَتَهُ قِيمَتُهُ فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ مُفَارِقٌ لِلْأَمْوَالِ مَجَامِعُ لِلنُّفُوسِ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالسَّرِقَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالسَّرِقَةُ تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: أَقْطَعُهُ وَيَقُولُ: إنْ لَمْ أَقْطَعْهُ جَعَلْتُهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلاَ قَطْعَ فِي الدَّيْنِ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لاَ أَقْطَعُهُ حَتَّى يُقِرَّ مَرَّتَيْنِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالسَّرِقَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَثَبَتَ عَلَى الْإِقْرَارِ وَكَانَتْ مِمَّا تَقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ قَطَعَ وَسَوَاءٌ إقْرَارُهُ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَمَا لاَ أَقْطَعُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَهُوَ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ قَطَعَهُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى رُجُوعِهِ لَوْ كَانَ أَقَرَّ وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَقْطَعْهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَكَذَا لَوْ رَجَعَتْ الشُّهُودُ لَمْ نَقْطَعْهُ, قِيلَ: لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ عَادُوا فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِمَا رَجَعُوا عَنْهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ, وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ أَقَرَّ: قُبِلَ مِنْهُ فَالْإِقْرَارُ مُخَالِفٌ لِلشَّهَادَاتِ فِي الْبَدْءِ وَالْمُتَعَقِّبِ. وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى قَالَ: لاَ أَقْطَعُهُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ, وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: أَقْطَعُهُ إذَا أَقَرَّ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبًا حُبِسَ السَّارِقُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَأْتِيَ لَهُ بِمَخْرَجٍ يُسْقِطُ عَنْهُ الْقَطْعَ أَوْ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ. وَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ تُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: لاَ قَطْعَ فِيهَا بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: تُقْطَعُ الْيَدُ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلاَ تُقْطَعُ فِي دُونِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا} وَبِهِ نَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي تُخَالِفُ هَذَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ لَوْ انْفَرَدَ, وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَابْنِ مَسْعُودٍ فَلَيْسَتْ فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ وَلاَ أَعْلَمُهُ ثَابِتًا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ سَمِعَ قَتَادَةَ يَسْأَلُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رحمه الله تعالى عَنْهُ عَنْ الْقَطْعِ فَقَالَ: حَضَرْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَطَعَ سَارِقًا فِي شَيْءٍ مَا يَسْوَى ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّهُ لِي بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ. (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: لاَ أَقْبَلُ الشَّهَادَةَ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ: لَمْ يَسْرِقْ مِنِّي شَيْئًا أَكُنْت أَقْطَعُ السَّارِقَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: أَقْبَلُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ وَأَقْطَعُ السَّارِقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةٍ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ قَبِلْت الشَّهَادَةَ وَسَأَلْت عَنْ الشُّهُودِ وَأَخَّرْت الْقَطْعَ إلَى أَنْ يَقْدُمَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ. (قَالَ): وَإِذَا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ بِالسَّرِقَةِ مَرَّتَيْنِ وَبِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَنْكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى كَانَ يَقُولُ: نَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ فِيهِمَا جَمِيعًا وَنُضَمِّنُهُ السَّرِقَةَ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ: {رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اعْتَرَفَ عِنْدَهُ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ وَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ هَرَبَ حِينَ أَصَابَتْهُ الْحِجَارَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهَلَّا خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ} حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لاَ أَقْبَلُ رُجُوعَهُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَأُمْضِي عَلَيْهِ الْحَدَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالزِّنَا أَوْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ قَبِلْت رُجُوعَهُ قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَهُ السِّيَاطُ أَوْ الْحِجَارَةُ أَوْ الْحَدِيدُ وَبَعْدُ جَاءَ بِسَبَبٍ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عُيِّرَ أَوْ لَمْ يُعَيَّرْ قِيَاسًا عَلَى أَنَّ: {النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَاعِزٍ: فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ} وَهَكَذَا كُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ فَأَمَّا مَا كَانَ لِلْآدَمِيَّيْنِ فِيهِ حَقٌّ فَيَلْزَمُهُ وَلاَ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيهِ وَأُغَرِّمُهُ السَّرِقَةَ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْآدَمِيَّيْنِ. وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَسَرَقَ عِنْدَنَا سَرِقَةً فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: يَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَلاَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْأَمَانَ لِتَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: تُقْطَعُ يَدُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلاَمِ بِأَمَانٍ فَسَرَقَ ضُمِّنَ السَّرِقَةَ وَلاَ يُقْطَعُ وَيُقَالُ لَهُ: نَنْبِذُ إلَيْك عَهْدَك وَنُبَلِّغُك مَأْمَنَك لِأَنَّ هَذِهِ دَارٌ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا إلَّا مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ (قَالَ الرَّبِيعُ): لاَ يُقْطَعُ إذَا كَانَ جَاهِلاً فَإِنْ كَانَ عَالِمًا قُطِعَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا أَمَانًا عَلَى أَنْ لاَ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ مَا دَامَ مُقِيمًا فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَثْبَتَ الْقَاضِي فِي دِيوَانِهِ الْإِقْرَارَ وَشَهَادَةَ الشُّهُودِ ثُمَّ رُفِعَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَهُوَ لاَ يَذْكُرُهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجِيزَهُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رحمه الله يُجِيزُ ذَلِكَ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى: إنْ كَانَ يَذْكُرُهُ وَلَمْ يُثْبِتْهُ عِنْدَهُ أَجَازَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لاَ يُجِيزُهُ حَتَّى يُثْبِتَهُ عِنْدَهُ وَإِنْ ذَكَرَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا وَجَدَ الْقَاضِي فِي دِيوَانِهِ خَطًّا لاَ يَشُكُّ أَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ خَطُّ كَاتِبِهِ بِإِقْرَارِ رَجُلٍ لِآخَرَ أَوْ بِثَبْتِ حَقٍّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ حَتَّى يَذْكُرَ مِنْهُ أَوْ يَشْهَدَ بِهِ عِنْدَهُ كَمَا لاَ يَجُوزُ إذَا عَرَفَ خَطَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ أَنْ يَشْهَدَ. وَإِذَا جَاءَ رَجُلٌ بِكِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ وَالْقَاضِي لاَ يَعْرِفُ كِتَابَهُ وَلاَ خَاتَمَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: لاَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الَّذِي أَتَاهُ الْكِتَابَ أَنْ يَقْبَلَهُ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَا عَدْلٍ عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي وَعَلَى مَا فِي الْكِتَابِ كُلِّهِ إذَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَرَفَ الْقَاضِي الْكِتَابَ وَالْخَاتَمَ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلاَ يَقْبَلُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى مَا وَصَفْت لِأَنَّهُ حَقٌّ وَهُوَ مِثْلُ شَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله وَقَالَ: لاَ يَقْبَلُ الْكِتَابَ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ وَأَعْطَاهُمْ نُسْخَةً مَعَهُمْ يُحْضِرُونَهَا هَذَا الْقَاضِيَ مَعَ كِتَابِ الْقَاضِي وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: إذَا شَهِدُوا عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عَرَفَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ كِتَابَ الْقَاضِي وَخَاتَمَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَهُوَ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَلاَ يُقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلاَنٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا إلَى فُلاَنٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَيَشْهَدَانِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ إمَّا بِحِفْظٍ لَهُ وَإِمَّا بِنُسْخَةٍ مَعَهُمَا تُوَافِقُ مَا فِيهِ وَلاَ أَرَى أَنْ يَقْبَلَهُ مَخْتُومًا وَهُمَا يَقُولاَنِ: لاَ نَدْرِي مَا فِيهِ لِأَنَّ الْخَاتَمَ قَدْ يُصْنَعُ عَلَى الْخَاتَمِ وَيُبَدَّلُ الْكِتَابُ. وَإِذَا قَالَ الْخَصْمُ لِلْقَاضِي: لاَ أُقِرُّ وَلاَ أُنْكِرُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: لاَ أُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَدْعُو الْمُدَّعِي بِشُهُودِهِ بِهَذَا يَأْخُذُ (قَالَ): وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لاَ يَدَعُهُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ إذَا سَكَتَ يَقُولُ لَهُ: احْلِفْ مِرَارًا فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَضَى عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا تَنَازَعَ الرَّجُلاَنِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَعْوَى فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لاَ أُقِرُّ وَلاَ أُنْكِرُ قِيلَ لِلْمُدَّعِي: إنْ أَرَدْت أَنْ نُحَلِّفَهُ عَرَضْنَا عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ نَكَلَ قُلْنَا لَك احْلِفْ عَلَى دَعْوَاكَ وَخُذْ فَإِنْ أَبَيْتَ لَمْ نُعْطِك بِنُكُولِهِ شَيْئًا دُونَ يَمِينِك مَعَ نُكُولِهِ. وَإِذَا أَنْكَرَ الْخَصْمُ الدَّعْوَى ثُمَّ جَاءَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى الْمَخْرَجِ مِنْهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: أَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لاَ أَقْبَلُ مِنْهُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ مَخْرَجًا وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَدَّعِي قِبَلَ الرَّجُلِ الدَّيْنَ فَيَقُولُ مَالَهُ قِبَلِي شَيْءٌ فَيُقِيمُ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَالَهُ وَيُقِيمُ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ أَوْفَاهُ إيَّاهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمَطْلُوبُ صَادِقٌ بِمَا قَالَ لَيْسَ قِبَلِي شَيْءٌ وَلَيْسَ قَوْلُهُ هَذَا بِإِكْذَابٍ لِشُهُودِهِ عَلَى الْبَرَاءَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْمُدَّعَى بَيِّنَةً فَجَاءَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِمَخْرَجٍ مِمَّا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ قَبِلْتُهُ مِنْهُ وَلَيْسَ إنْكَارُهُ الدَّيْنَ إكْذَابًا لِلْبَيِّنَةِ فَهُوَ صَادِقٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الظَّاهِرِ إذَا جَاءَ بِالْمَخْرَجِ مِنْهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَوَّلاً أَنْ يَقْطَعَ عَنْهُ الْمُؤْنَةَ. وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ دَعْوَى فَقَالَ: عِنْدِي الْمَخْرَجُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِإِقْرَارٍ إنَّمَا يَقُولُ: عِنْدِي الْبَرَاءَةُ وَقَدْ تَكُونُ عِنْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَقِّ وَمِنْ الْبَاطِلِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: هَذَا إقْرَارٌ فَإِنْ جَاءَ بِمَخْرَجٍ وَإِلَّا أَلْزَمَهُ الدَّعْوَى وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنْ لَمْ يَأْتِ بِالْمَخْرَجِ لَمْ تَلْزَمْهُ الدَّعْوَى إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ حَقًّا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: عِنْدِي مِنْهَا الْمَخْرَجُ فَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْقَاضِيَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا إقْرَارًا يَأْخُذُهُ بِهِ إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْهُ بِالْمَخْرَجِ فَلَيْسَ هَذَا بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ الْمَخْرَجُ بِأَنْ لاَ يُقِرَّ بِهِ وَلاَ يُوجَدُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلاَ يَأْخُذُ الْمُدَّعِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُثْبِتُهَا وَيُقْبَلُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَخْرَجُ وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَلَمْ يُثْبِتْهُ فِي دِيوَانِهِ ثُمَّ خَاصَمَهُ إلَيْهِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله قَالَ: إذَا ذَكَرَ الْقَاضِي ذَلِكَ أَمْضَاهُ عَلَيْهِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رحمه الله يَقُولُ لاَ يُمْضِي ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُ حَتَّى يُثْبِتَهُ فِي دِيوَانِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَأَثْبَتَ الْحَاكِمُ إقْرَارَهُ فِي دِيوَانِهِ أَوْ كَانَ ذَاكِرًا لِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يُثْبِتْ فِي دِيوَانِهِ فَسَوَاءٌ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَأْخُذُ بِالْإِقْرَارِ عِنْدَهُ أَخَذَهُ بِهِ وَلاَ مَعْنَى لِلدِّيوَانِ إلَّا الذِّكْرُ وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي ذَاكِرًا فَسَوَاءٌ كَانَ فِي الدِّيوَانِ أَوْ لَمْ يَكُنْ (قَالَ الرَّبِيعُ): وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ الْإِقْرَارَ عِنْدَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا كَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِإِجَازَتِهِ لِحَالِ ظُلْمِ بَعْضِ الْقُضَاةِ.
|